من المتوقع أن يبدأ شهر رمضان يوم 10 مارس/آذار الحالي، ليكون بمثابة فترة من التأمل الروحي العميق والتفاني للمسلمين في جميع أنحاء العالم. يلاحظ أفراد من مختلف الأديان، بمن فيهم غير المسلمين الذين أقاموا زمنا في القدس مثلي، المظاهر الفريدة للتقوى والتفاني خلال شهر رمضان، والتي تتميز بالعبادات الجماعية والخاصة. ومع ذلك، ففي السنوات الأخيرة طغى على شهر رمضان في القدس تصاعد التوترات حول المسجد الأقصى، مع احتمال اندلاع أعمال عنف حاضرة دوما تحت السطح.
كان هذا الحال واضحا عام 2021، عندما اندلعت الجولة الأخيرة من العنف بين إسرائيل وغزة لأسباب عدة، بينها ما جرى داخل الحرم. ولم يكن من قبيل الصدفة أن تندلع الحرب في اليوم الأخير من شهر رمضان، فقد أدى تزامن عيد الفصح اليهودي ورمضان في العامين الماضيين إلى زيادة حدة هذه التوترات، مما أدى إلى اندلاع أعمال عنف متقطعة.
ولكن لرمضان هذه السنة وقع مختلف، فهو يحل في ظل الحرب القائمة والمذبحة المستمرة في غزة. وكان الأقصى يحتل حتى قبل أسابيع من قدوم شهر رمضان مكانة بارزة في حسابات الحرب. ولا يمكن فهم التقلبات المزمنة التي تشهدها الأحداث المرتبطة بالأقصى وداخل الأقصى/جبل الهيكل عند اليهود إلا في سياق الوضع الراهن في القدس الشرقية المحتلة.
لسنوات عديدة، تقود الأحداث في القدس عموما، وفي الأقصى خصوصا، جهات دينية متطرفة تعمل على استخدام الدين كسلاح. فحركات جبل الهيكل المتطرفة، التي تسعى لأن يسمح لليهود بالصلاة في الأقصى، لم تكن إلا مجموعة صغيرة هامشية حتى وقت قريب، ولكنها وغيرها من هذه الحركات غدت تيارا سائدا، يتحالف معها علنا بعض أعضاء حكومة نتنياهو. وعلى المثال نفسه، ثمة نسخ متطرفة من الإسلام السياسي أصبحت أكثر صخبا داخل المسجد الأقصى وفي الأمور المتعلقة به. وثالثة الأثافي حركة "نهاية الأيام" الإنجيلية المسيحية التي لا تقل تطرفا وتحريضا عن نظرائها عند اليهود والمسلمين. وهذه الحركات جميعها وأكثر من أي وقت مضى في الذاكرة الحديثة، هي من تقود الأحداث وتسيطر على الخطاب في القدس. بينما هُمشت الحركات الدينية التقليدية وهمش قادتها، وهم الذين سمح اعتدالهم بتعايش معقول بين الأديان في القدس.