خمسة أشهر من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة كانت كفيلة بتبيان حقائق كثيرة في المنطقة، أو أن هذه الحرب أظهرت المنطقة على حقيقتها ودفعتنا بقوة لإعادة اكتشافها كأننا لم نكن نعرفها من قبل. بهذا المعنى لم يعد ثمة جديد نكتشفه في المنطقة الملتهبة والتي أصبحت مواقف دولها وشعوبها معروفة وبينة ولا تحتاج إلى تأويل أو استقراء.
الكل أصبح مكشوفا أمام الكل، خصوصا أولئك الذين كانوا يخلقون واقعا موازيا بالخطابة والشعارات التي تتحايل على موازين القوى، وكأن المعركة مستبعدة أو بعيدة، وبالتالي يمكن العيش في عالم الشعارات ويمكن تغطية السياسات السلبية والمدمرة بالشعارات والعناوين الأخلاقية التي امتحنتها أرض المعركة امتحانا حقيقيا وكشفت زيفها ودجلها.
نعيش الآن مع الاقتراب أكثر فأكثر من موعد الهدنة الثانية بين "حماس" وإسرائيل على وقع انتهاء الحرب. والمفارقة المأساوية أن انتهاء الحرب يبدو أشد مرارة من الحرب نفسها، لأنه يضع نتائج الحرب وجها لوجه مع 30 ألفا من ضحاياها الفلسطينيين، إضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى ومئات الآلاف الذين يقفون الآن على حافة الجوع. في هذه اللحظة، لحظة جردة الحسابات السياسية للحرب يبدو رقم القتلى الفلسطينيين أكبر من أي وقت مضى إذا ما قورن بنتائج هذه الحرب من الناحية الفلسطينية، وبالتحديد لجهة ما تكبده الفلسطينيون من خسائر خلال الحرب وما ينتظرهم بعدها، أي نتائجها السياسية عليهم وعلى قضيتهم التي ما عاد في الإمكان تعريفها تعريفا حقوقيا وسياسيا واضحا في ظل ضبابية خطاب "حماس" وتناقضاته وتشتت السلطة الفلسطينية وضعفها.
وبالأساس فإن الجسم السياسي الفلسطيني ابتعد عما يمكن تسميته "أجندة وطنية"، أي برنامج عمل سياسي بعناوين واضحة ومحددة يشكل مرجعية أي فعل سياسي أو عسكري فلسطيني.