الهيدروجين الأخضر... من المغرب وشمال أفريقيا إلى أوروباhttps://www.majalla.com/node/311781/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D9%88%D8%AC%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B6%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7
تعتزم شركة "بي إم دبليو" طرح موديلات "BMW iX 5 H" التي تعمل بالهيدروجين الأخضر، قبل نهاية السنة الجارية، لتعويض النقص في المحركات الهجينة أو المعتمدة على الطاقة الكهربائية بالكامل، مما يسمح لها بمضاعفة مسافة التنقل من دون الحاجة إلى إعادة الشحن، مع الأخذ في الاعتبار كل الظروف المناخية.
وتبدو المنافسة قوية مع شركة "تيسلا" الأميركية، و"بي واي دي" (BYD) الصينية، حول عربات المستقبل التي ستعمل بالهيدروجين الأخضر، وهذا ما تظهره طلبات الأسواق وميول المستهلكين نحو أنواع جديدة من وسائل النقل الفردي والجماعي الصديقة للبيئة.
الى جانب السيارات قررت ألمانيا تبديل محركات 1700 سفينة شحن تجارية، وتحويلها إلى الهيدروجين الأخضر، ضمن خطة ترتبط بمكافحة التغيرات المناخية وتحويل الطاقة.
وتشكل هذه التحديات أولوية اقتصادية وتكنولوجية في عدد من الدول الصناعية التي ترغب في زيادة قدرتها التنافسية بالاعتماد على فضائها الجغرافي. وكلما توفرت مصادر قريبة من الطاقة الجديدة كان ذلك جيدا للصناعة.
إن منطقة شمال أفريقيا في إمكانها تصدير ما قيمته 110 مليارات دولار من مبيعات الهيدروجين الأخضر إلى دول الاتحاد الأوروبي القريبة سنويا
شركة "ديلويت"
شمال أفريقيا أكبر مصدري الهيدروجين
تقدر حاليا سوق الطاقات المتجددة في العالم بنحو 1400 مليار دولار سنويا، حسب دراسة لشركة "ديلويت" (Deloitte) ، التي توقعت أن يزيد الطلب على الهيدروجين مع سرعة الانتقال الطاقي والصناعي في عدد من دول العالم. وقالت الدراسة "إن منطقة شمال أفريقيا في إمكانها تصدير ما قيمته 110 مليارات دولار من مبيعات الهيدروجين الأخضر إلى دول الاتحاد الأوروبي القريبة سنويا. مما قد يجعلها تأخذ حصة الأسد في هذه الطاقات المتجددة المتوافرة بكثرة في تلك المناطق". ويتعلق الأمر أساسا بالمغرب ومصر والجزائر.
وتُعوّل دول الاتحاد الأوروبي كثيرا على منطقة جنوب البحر الابيض المتوسط لتزود الطاقات المتجددة البديلة، وتعويض النقص المسجل في النفط والغاز المتوقفين من المصادر الروسية بسبب حرب أوكرانيا. وجاء في تقرير أوروبي على موقع "هيدروجين إنسايت" ان المغرب "يعد من بين موردي الهيدروجين المحتملين إلى أوروبا، لأنه يستفيد من موارد الطاقة الشمسية والريحية والرياح وبسبب قربه الجغرافي".
وتقترح الخطة الأوروبية إنشاء أنابيب لنقل الهيدروجين بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، لأنه أسهل وأرخص من الشحن عبر الناقلات. وأيضا مد أنبوب للهيدروجين بالتوازي مع بناء أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب بطول 5600 كلم على سواحل المحيط الأطلسي، لتزويد الأسواق الأوروبية التي كانت تستورد 155 مليون متر مكعب من الغاز الروسي قبل الحرب. واعتبر التقرير أن المنطقة الواقعة بين الرباط والقاهرة تشكل أهم مصدر محتمل لإنتاج وتوريد الهيدروجين نحو القارة.
ودخلت اسبانيا على خط مشاريع الهيدروجين المغربي خلال زيارة رئيس الحكومة بيدرو سانشيز للرباط (2 فبراير/شباط) ولقائه الملك محمد السادس. وترغب مدريد أن تكون صلة الوصل بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط في مجال نقل الطاقة المتجددة والتحول إلى مزود أوروبا الهيدروجين من المغرب عبر أنبوب تحت البحر.
تستثمر شركة الطاقة الإماراتية 10 مليارات دولار في مشاريع الهيدروجين في المغرب لإنتاج 6 جيغاوات من الكهرباء الحرارية. بدورها تُطور شركة HDF الفرنسية، و"فالكون كابيتال" المغربية مشاريع مشتركة
ومن المتوقع أن يصدر المغرب نحو 4 تيراوات (نحو 4 ملايين طن)، من الهيدروجين إلى الأسواق الأوروبية سنويا في الثلث الأخير من العقد الجاري.
من السيارة إلى الإضاءة العمومية
وتستثمر شركة الطاقة الإماراتية نحو 10 مليارات دولار في مشاريع الهيدروجين الأخضر في المغرب لإنتاج 6 جيغاوات من الكهرباء الحرارية. بدورها تُطور شركة HDF الفرنسية، و"فالكون كابيتال" المغربية مشاريع مشتركة لإنتاج 8 جيغاوات من الهيدروجين. ودخلت شركة "توتال انرجيز" الفرنسية في مشاريع مماثلة لإنتاج الهيدروجين، الذي تحول إلى استثمار مربح جدا، مع انتقال صناعة السيارات إلى الطاقات الخفيفة غير الملوثة، واعتماد الإضاءة العمومية النظيفة في جل المدن العالمية.
ويعتبر المغرب ضمن الدول التي تراهن على سيارات ذات محركات هيدروجينية أو كهربائية، ولديه مشاريع سيارات فارهة تعمل بهذا النوع من الوقود تحت اسم "NAMX" موجهة إلى الفئات المرتفعة الدخل (قيمتها نحو 80 ألف دولار) وهي نوع "HUV" أي السيارات الرياضية الحضرية الهيدروجينية. وهي سوق واعدة قد تجعله بين العشر الأوائل في هذه الصناعات.
وكان الملك محمد السادس دعا إلى جعل الهيدروجين الأخضر رافعة للتطوير الاقتصادي وتسريع التنمية المحلية، وجلب الاستثمارات الأجنبية في المجالات التكنولوجية، والتحول إلى بلد عالمي منتج للطاقات النظيفة المختلفة.
سيكون للهيدروجين الأخضر في السنوات المقبلة دور اقتصادي يُماثل أو يفوق ما كان للبنزين قبل مئة عام، عندما ظهرت السيارة في الولايات المتحدة وأوروبا
سيكون للهيدروجين الأخضر في السنوات المقبلة دور اقتصادي يُماثل أو يفوق ما كان للبنزين قبل مئة عام، عندما ظهرت السيارة في الولايات المتحدة وأوروبا. وقال رئيس جمعية الهيدروجين والتنمية المستدامة عادل غاوي "إن المغرب يملك كل المؤهلات ليصبح مصدرا عالميا لصناعة الهيدروجين الأخضر (H2). بالنظر إلى تجربة راكمها منذ 2009 مكنته من إنتاج 40 في المئة من حاجته إلى الكهرباء من مصادر الطاقات المتجددة، حيث يملك أكبر محطة للألواح الشمسية في وارزازات. ويتطلع إلى إنتاج 52 في المئة من الكهرباء قبل 2030".
وتشمل المشاريع التحول إلى اعتماد الهيدروجين الأخضر في إنتاج الكهرباء، وهي تجربة سوف تُعتمد أولا في مدينة العيون جنوب البلاد بتحويل المحطة الكهربائية الحالية إلى الى محطة هيدروجين 100 في المئة. وهو مشروع فريد من نوعه ينفذه المكتب الوطني للكهرباء والماء، وشركة "ناريفا هولدينغ" (Nareva Holding) عبر فرعها غاز "باور فيرنوفا".
وتقضي الخطة التكنولوجية بتعميم التجربة على مدن أكبر، بالانتقال تدريجيا من المحطات المشغلة بالفيول أو الفحم إلى استعمال الهيدروجين الأخضر، في مسعى لتقليص تكلفة توريد الطاقة الاحفورية من جهة (تقدر بـ 16 مليار دولار 2022)، والمساهمة في التخلص من الكربون الملوث وضمان بيئة نظيفة.
وحسب المنظمة العالمية للزراعة "الفاو"، في روما، يمكن تصنيف المغرب بين أكثر الدول تضررا من التغيرات المناخية وشح المياه خلال السنوات الأخيرة. وكل انتقال إلى مصادر بديلة قد يساهم في تحسين شروط عودة مواسم الأمطار الغزيرة، وتطوير الإنتاج الزراعي.
صادرات بقيمة 280 مليار دولار
يتطلع المغرب إلى تصدير ما قيمته 280 مليار دولار من الهيدروجين الأخضر، على مدى ربع القرن المقبل، أي حتى 2050، كلها إلى أسواق الاتحاد الأوروبي. لبلوغ هذه الأهداف أعلنت الرباط العرض المغربي للهيدروجين (Morocco offer) لتلقي خطابات نيات الاستثمار الدولي، المعنية بمشاريع الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر، وقيمتها عشرات مليارات الدولارات.
ويعتبر الهيدروجين الأخضر خالي الكربون وقودا خفيفا عالي التفاعل، يمكن استخراجه من خلال عملية التحليل الكهربائي الكيماوي لفصل الهيدروجين عن الأوكسيجين باستعمال الماء. وسيحتضن المغرب أول مصنع من هذا النوع بشراكة ألمانية.
وقال وزير الدولة للتعاون الاقتصادي والتنمية الألماني يوخن فلاسبارت "سيتم تشغيل أول مصنع خارج أوروبا في المغرب، كجزء من التعاون الإنمائي الألماني، وتعمل الشركات الألمانية والأوروبية جنبا إلى جنب مع الشركات المحلية في المغرب لهذا الغرض. ومن المقرر أن يبدأ تشغيل أول محطة مرجعية واسعة النطاق للهيدروجين الأخضر في القارة الأفريقية في عام 2026".
هناك أجندة مغربية جديدة في مجال الطاقات المتجددة لتسويق الهيدروجين الأخضر نحو أوروبا، تقضي بمضاعفة الاستثمارات ثلاث مرات لأجل الوصول إلى أهداف الانتقال الطاقي في أفق 2030
وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية ليلى بنعلي
وقالت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ في حوار مع قناة "DW" أن "هناك أجندة مغربية جديدة في مجال الطاقات المتجددة لتسويق الهيدروجين الأخضر نحو أوروبا، تقضي بمضاعفة الاستثمارات ثلاث مرات لأجل الوصول إلى أهداف الانتقال الطاقي في أفق 2030 ". ووعد الاتحاد الأوروبي بتمويل مشاريع ضخمة للطاقة النظيفة في المغرب بمعدل مليار يورو سنويا، تشمل الألواح الشمسية ومزارع الرياح والهيدروجين الأخضر. ويعتقد الأوروبيون أن مستقبل الطاقة لديهم كان وسيبقى في دول الجنوب، على الرغم من كل التحولات التي طرأت منذ مئة عام، بالانتقال من الاحفوري إلى الشمسي أو هما معا.
وفي رأي محللي الطاقات المتجددة، كان للحرب الروسية الأوكرانية والغزو الإسرائيلي على قطاع غزة، تأثير سلبي واضح على برامج الحكومات في مجال التنمية المستدامة، مما أخّر بعض المشاريع سنتين، انعكست على الأجندات الاستثمارية السابقة. ومن لم يتضرر مباشرة بالحرب تضرر بتداعياتها الاقتصادية وحتى المناخية. وربما الحاجة إلى الطاقة هي التي دفعت بعض الحكومات الغربية إلى مراجعة مواقفها من حرب غزة، ودعت دول الجنوب إلى وقفها حالا والحؤول دون مزيد من المأساة.