المهاجرون يهددون اقتصاد الدول المتقدمة وأمنها. بل ينفذون مخطط "الاستبدال الكبير" للحلول مكان السكان الاصليين الذين تتناقص أعدادهم امام زحف الأفارقة والعرب والآسيويين والاميركيين الجنوبيين الآتين من كل الجهات للقضاء على الحضارة الغربية التي أنارت العالم طوال 500 سنة. وها هي شوارع المدن الاوروبية والاميركية تغص بأشكال وألوان غريبة عنها فيما تجتاح المساجد زوايا المدن.
الجريمة والمخدرات والاعتداءات على المارة اصبحت من الصور المتداولة فيما ينزع المسلمون وغيرهم ممن ينزلون من القوارب الصغيرة على الشواطئ الاوروبية او يعبرون الصحراء الفاصلة بين الولايات المتحدة والمكسيك، ينزعون سمات الحضارة والرقي ويحشرون مرشحيهم في كل انتخابات ممكنة ليتحولوا الى الاسياد الحقيقيين للعالم....
مثل هذا الكلام وكثير غيره تتداوله وسائل الاعلام المنضوية في تيارات اليمين المتطرف والشعبوي في الغرب وتكرره منصات السوشال ميديا وتعبر عنه مظاهرات وأعمال عنف متزايدة في العديد من الدول.
اذا لم تكن الهجرة هي الموضوع الاول في كل الحملات الانتخابية في الغرب، فهي الثاني من كل بد. لا مفر من أن يظهر حزب ما ليطرح المسألة ويستخدمها في حملته ويدفع بها الى حدود التحريض على العنف والقتل. تحولت الظاهرة هذه الى ما يشبه القانون الفيزيائي الذي لا يمكن تعليقه او تجاهله.
لا بد، التزاما بالموضوعية، من التأكيد على الحجم الاستثنائي لقضية الهجرة الى الغرب والشمال وتعقيداتها وتداخل العوامل المشكّلة لها في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والديمغرافية سواء في الدول المقصودة او الدول التي يهاجر اهلها منها. ومن حق الاوروبيين والاميركيين الشماليين ان يتخذوا الاجراءات التي تتيحها لهم قوانين الدول ذات السيادة. ومن البداهة بمكان أن تستغل القوى السياسية المتنافسة القضية المذكورة بكل الاساليب المتاحة، بغض النظر عن اخلاقيتها.
بيد ان الصورة يجب ان تتسع ايضا لجوانب اضافية، منها ان هيمنة قضية المهاجرين على الجدالات السياسية ليست علامة صحية، بمعنى ان حصر المشكلات التي تعاني منها الدول المتقدمة بسبب واحد، مهما كان اسمه، سواء الهجرة او البطالة او الجريمة، يصدر عن تجاهل للطبيعة المعقدة للمجتمعات الحديثة التي تتجاور فيها حوامل الاستقرار والازدهار مع مسببات ودوافع الازمات والانهيار. اللجوء الى القرع المستمر لناقوس الخطر واعتماد الخوف والاستثمار فيه كوسيلة مضمونة للحصول على الأصوات، ليس علامة على أن المجتمع المعني يحافظ على توازنه ويدرك حدود ازماته ومن أين يأتي الخطر وكيفية مواجهته.
ان حصر المشكلات التي تعاني منها الدول المتقدمة بسبب واحد، مهما كان اسمه، سواء الهجرة او البطالة او الجريمة، يصدر عن تجاهل للطبيعة المعقدة للمجتمعات الحديثة التي تتجاور فيها حوامل الاستقرار والازدهار مع مسببات ودوافع الازمات والانهيار
تصريحات بعض السياسيين البريطانيين الاخيرة التي قال نقادها انها "معادية للاسلام" ومواقف مشابهة تعرضها يوميا شاشات فرنسية واميركية، تقول عن المجتمعات الغربية اكثر مما يبدو من التفسير المباشر للتصريحات والمواقف تلك. "الحرب الثقافية" في الولايات المتحدة والانقسام المتفاقم هناك، والازمة الاقتصادية التي لا تعرف طريقا الى الحل في اوروبا، من "كلفة المعيشة" التي باتت لا تطاق في بريطانيا الى احتجاجات المزارعين في دول الاتحاد الاوروبي، لا تجد في واقع الامر علاجا مناسبا ضمن النظم السياسية القائمة.
لا يندر ان يُستخدم نموذج "جمهورية فايمار" الالمانية التي تولت السلطة بعد الحرب العالمية الاولى للاشارة الى ان التناقض المديد بين الديمقراطية والانهيار الاقتصادي غالبا ما يفتح الباب امام الممارسة والخطاب الديكتاتوريين. وهو ما حصل مع صعود النازيين الى الحكم في ثلاثينات القرن العشرين وإلقائهم اللوم على اليهود في كل ما يمكن تصوره من أزمات عصفت بألمانيا منذ نهاية القرن التاسع عشر.
شيء مشابه يجري اليوم، حتى ليبدو ان المهاجرين قد تحولوا الى السبب الاول لكل الأمراض والعلل في الدول الغربية واحتلوا الموقع الذي وضع فيه النازيون اليهود عشية الحرب العالمية الثانية. غني عن البيان أن هذا نهج بالغ الخطورة ليس على الدول الغربية والمهاجرين اليها فحسب، بل على السلم العالمي برمته وأن الحق في التصدي لمشكلات الهجرة، سيبقى دائما في علاقة متوترة مع حقوق الانسان كمفهوم عالمي عابر للحدود الوطنية.
حتى اليوم، لم تتخذ حكومات اليمين الشعبوي التي فازت في عدد من الدول وشكلت الحكومات فيها، إجراءات عنيفة ضد المهاجرين بل ان اكثرها وجد طرقا ملتوية للاستفادة من المهاجرين اقتصاديا. لكن ذلك لا يعني ان شبح حروب الابادة ومعسكرات الاعتقال قد اختفى.