لا تزال الأحداث في الشرق الأوسط تطغى على الأخبار العالمية لهذا الأسبوع، حيث تتصدر عناوين الأخبار حتى في بريطانيا. وكان من بين هذه الأخبار زيارة القس الدكتور منذر إسحاق، القس اللوثري من بيت لحم، إلى لندن والجدل الدائر حول رفض رئيس أساقفة كانتربري، جاستن ويلبي استقباله، في مثال آخر على اتساع المواقف الحذرة بين الشخصيات الدينية البريطانية، كما يسميها القس إسحاق نفسه.
وفي انحراف ملحوظ عن القاعدة، أعرب ولي العهد البريطاني أمير ويلز ويليام عن أمله في إنهاء العنف في غزة، في تدخل نادر للعائلة الملكية في الشؤون السياسية. وأثارت هذه الخطوة استهجانا واضحا من جانب أنصار النظام الملكي، الذين يركزون انتقاداتهم في العادة على أخيه الأصغر هاري.
وكان من المقرر بالأمس أن يناقش برلمان المملكة المتحدة وقف إطلاق النار، لكن الإجراءات تحولت إلى مهزلة، عندما غادر بعض الأعضاء القاعة احتجاجا على الطريقة التي جرى بها ترتيب التصويت. ويبدو أن الضحية الأكثر ترجيحا لهذه العاصفة سيكون رئيس البرلمان، السير ليندسي هويل، الذي كان من المفترض أن يكون فوق النزاع في كل الأوقات، ولكن يبدو في هذه المناسبة أنه تصرف لصالح حزبه القديم، "حزب العمال". كما أنه لم يفعل شيئا لإصلاح صورة الطبقة السياسية في بريطانيا بعد أن خرج مشهد التصويت على مسألة بهذه الخطورة عن مساره.
في هذه الأثناء، شهدت لاهاي عودة محكمة العدل الدولية إلى عناوين الأخبار مرة أخرى، بعد جلسة الاستماع الأخيرة التي انعقدت بناء على الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا مدعية أن إسرائيل متورطة في عملية إبادة جماعية. ومن المقرر أن تحضر نحو 52 دولة جلسة الاستماع لتقرر ما إذا كان ينبغي اعتبار احتلال إسرائيل لبعض الأراضي الفلسطينية غير قانوني. قد يبدو هذا لأول وهلة أمرا غير ضروري، إذ عادة ما يشار إلى الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية بشكل روتيني على أنه غير قانوني بالفعل. المشكلة هي أن قرار الأمم المتحدة عام 1967، الذي دعا القوات الإسرائيلية إلى الانسحاب، لم يشر على وجه التحديد إلى الاحتلال باعتباره غير قانوني. ولهذا السبب، عاد القضاة إلى هذه المسألة بعد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2022.
ولكن المرجح أن لا تحظى هذه القضية المنفصلة بالقدر نفسه من الاهتمام الذي حظيت به القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا في الأسبوع الماضي، بسبب الحساسية التي تتمتع بها جريمة الإبادة الجماعية باعتبارها أكبر الجرائم على الإطلاق. إن الاتهام الموجه ضد إسرائيل، الدولة التي تشكلت في أعقاب الإبادة الجماعية النازية، بارتكابها الجريمة عينها ضد شعب آخر، يقدم طبقة معقدة من المفارقة التاريخية. وقد ألقى إدوارد سعيد سابقا الضوء على الرواية المأساوية للفلسطينيين باعتبارهم ضحايا لضحايا سابقين. ولا يخفى على أحد أن "حزب الليكود" الحاكم، منذ بدايته، كان له موقف ازدراء لتطلعات "العرب".
إن فكرة ويليام بليك عن "التماثل المخيف" توضح بشكل متزايد أوجه التشابه بين المعاناة التاريخية لليهود في أوروبا والمحنة الحالية للفلسطينيين، وهي مقارنة بات الاعتراف بها حقيقة واقعة، على الرغم من كونها مثيرة للجدل ومع ذلك، فإن هذا القياس يمكن أن يثير ردود فعل عكسية كبيرة، كما رأينا في حالة الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا.
أما القضية الحالية فهي أكثر محدودية في نطاقها، حيث تركز تحديدا على احتلال إسرائيل لأراض عربية بعد حرب عام 1967. ونتيجة لذلك، فهي لم تجتذب قدرا كبيرا من الاهتمام في جميع أنحاء العالم وفي إسرائيل نفسها، بل على العكس جرى تجاهلها تماما، كما يؤكد جدعون ليفي، المحلل السياسي والكاتب في صحيفة "هآرتس"، حين قال في مقابلة تلفزيونية": "وسائل الإعلام الإسرائيلية تساعد في تجاهلها [جلسات المحكمة الدولية]، ويمكنك دائما الاعتماد على وسائل الإعلام الإسرائيلية في إخفاء كل ما هو سلبي أو غير سار لإسرائيل عن مشاهديها وقرائها... لم تعتبره أي محطة تلفزيونية مهما أو مثيرا للاهتمام بدرجة كافية".