واشنطن- توقفت السيدة رفاه، المرشدة السياحية، أمام مبنى فندق "ويلارد" التاريخي الممتد في شارع بنسلفانيا وسط العاصمة الأميركية واشنطن على بعد 480 مترا تقريبا من البيت الأبيض. وأشارت إلى بوابته الذهبية، قائلة: "هنا من هذا المكان انطلقت قصة جماعات الضغط أو (اللوبي) المؤثرة في الولايات المتحدة الأميركية والتي تحولت إلى نشاط وممارسة قانونية تعود جذورها إلى أكثر من 150 سنة".
كانت هذه الجولة أول نشاط لي في رحلة عمل للولايات المتحدة. ومن الصدف أن أولى المطالعات، عنوان طريف لإحصاء عن أموال تلقاها أعضاء في الكونغرس خلال الدورة النيابية 2023-2024 من جماعات ضغط أميركية وموجهة إلى "لجنة حملة جمع التبرعات".
يُذكّر مطلع المقال بمشهد كوميدي شهير أصبح يستدل به لوصف مسؤول فاسد، مشهد "شاي بالياسمين" من فيلم "مرجان أحمد مرجان" للممثل المصري الكبير عادل إمام. وعلى الشاكلة نفسها يستهل المقال المرفق ببيانات تفصيلية، بسؤال: من حصل على أكبر قدر من العصير في الكابيتول هيل؟ (شارع تاريخي في واشنطن حيث يقع مقر الكونغرس) والمقال صادر عن منظمة "أوبن سيكرتز" وهي منظمة غير ربحية مختصة بتتبع المال السياسي والشفافية.
يتصدر كيفن ماكارثي وهو أول رئيس للكونغرس يقال من منصبه في تاريخ الولايات المتحدة، المرتبة الأولى في قائمة تضم 50 عضوا من الكونغرس الأكثر انتفاعا بتدفقات مالية سخية موجهة إلى لجنة التبرع لحملاتهم من جماعات ضغط. وتلقى ماكارثي (جمهوري من ولاية كاليفورنيا) حسب بيانات المنظمة، 137.027 دولارا من بعض جماعات الضغط أهمها هيئة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (37 ألف دولار).
هذا غيض من فيض، فقد بلغ حجم الإنفاق على جماعات الضغط والتأثير في أميركا عام 2023، وفق تقرير صادر عن المنظمة نفسها في شهر يناير/كانون الثاني الماضي 5.6 مليار دولار منها 4.2 مليار دولار على المستوى الفيدرالي وهو رقم وصفته المنظمة بالقياسي. وتشير منظمات مناهضة لجماعات الضغط، على غرار منظمة "روبتزنت إز" التي تحمل شعار "منع جماعات الضغط من إفساد أميركا" إلى أن قيمة الإنفاق السنوي على الجماعات يتجاوز 7 مليارات دولار.
كما تقدر حصيلة الإنفاق على جماعات الضغط من عام 2015 إلى عام 2023 بـ45 مليار دولار، وفق "أوبن سيكرتز"، التي تقول مديرتها التنفيذية هيلاري براسيث في تصريح نقلته قناة "سي إن بي سي نيوز" الأميركية، إنه رقم مذهل.
المتأمل في البيانات المتاحة للعموم حول حجم الإنفاق على جماعات الضغط والتقارير حول ما يسمى "المال الأسود" أي تلك التمويلات غير المعلنة الموجهة للضغط والتاثير عبر "اللجان السياسية" تضاف إليها توقعات بـ"طوفان" يشمل مليارات الدولارات في السباق الرئاسي المرتقب، يدرك أن هذه الجماعات تحولت إلى صناعة ضخمة أو حولت البلاد إلى "مصنع خدمات" على حد قول جاد إبراموف "رجل اللوبي" الأشهر في تاريخ البلاد. فهي "بزنس" تتنامي أرباحه بشكل قياسي عاما بعد عام رغم تقييده بأطر قانونية صارمة تفرض الشفافية على مختلف المتدخلين فيها. وهذه الجماعات هي أساسا صانع القرار في أميركا وتساهم بشكل جوهري في رسم السياسات الداخلية والخارجية وفي الجوانب الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والاجتماعية.