خطة نتنياهو... و"مبادئ طوكيو"

لن يستطيع الرئيس الأميركي الضغط على رئيس الوزراء الاسرائيلي مع اقتراب السباق الى البيت الأبيض

خطة نتنياهو... و"مبادئ طوكيو"

لعل أوضح تصور يقدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن "اليوم التالي" في غزة، جاء في خريطة المبادئ التي قدمها إلى المجلس الأمني المصغر قبل أيام.

ولعل أوضح تصور لموقف إدارة الرئيس جو بايدن إزاء "اليوم التالي"، كان في الوثيقة التي عرفت بـ"مبادئ طوكيو" بعد اجتماع وزراء خارجية السبع الكبار في العاصمة اليابانية، شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وكان بريت ماكغورك مسؤول الشرق الأوسط في إدارة بايدن قد أعلنها أمام وزراء خارجية عرب وإقليميين وأوروبيين على هامش "حوار المنامة" في نوفمبر.

بعد أكثر من 140 يوما على حرب غزة، قدم نتنياهو "وثيقة المبادئ" الخاصة به، ونصت على أن الجيش الاسرائيلي سيواصل الحرب حتى تحقيق "أهدافه"، وهي تدمير القدرات العسكرية والبنية التحتية الحكومية لـ"حماس"، و"الجهاد الإسلامي"، وإعادة المحتجزين. وتضمنت استمرار الوجود الأمني في القطاع، والعزم على إقامة "منطقة آمنة" شماله قرب المستوطنات، و"الإغلاق الجنوبي" على حدود مصر. كما تنص على أن إسرائيل ستعمل على إغلاق "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين" (أونروا)، لـ"ضلوعها في هجوم 7 أكتوبر"، وإنهاء أنشطتها واستبدالها بوكالات مساعدات دولية أخرى، وهو هدف له أبعاد سياسية تتعلق بـ"حق العودة".

وعلى المدى الطويل يرفض نتنياهو "الاعتراف الأحادي الجانب" بدولة فلسطينية، و"الإملاءات الدولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين". ويرى إن التسوية مع الفلسطينيين لن تتم "إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين، من دون شروط مسبقة". كما يعتبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد أحداث 7 أكتوبر، من شأنه أن "يمنع أي تسوية سلمية في المستقبل".

تكشف "خطة نتنياهو" عن رغبته الواضحة في السيطرة الأمنية على قطاع غزة والضفة

أقل ما يمكن قوله عن "خطة نتيناهو" إنها تتحدى نصائح و ضغوطات دول غربية باحتمال "الاعتراف" بالدولة الفلسطينية، كان بينها كلام وزير خارجية بريطانيا ديفيد كاميرون، وتتجاهل كليا "مبادئ طوكيو"  وتتناقض تماما مع كل ما ظلت الإدارة الأميركية تسعى إلى تحقيقه منذ شهور، رغم سقفه المنخفض، إذ إن ماكغورك، المقرب جدا من بايدن، كان قد قال في "حوار المنامة" إن "مبادئ طوكيو" الخمسة، تشمل: "لا للتهجير القسري للفلسطينيين من غزة. ولا لإعادة احتلال غزة. ولا تقليص لمساحة/ أراضي غزة، فهي أرض فلسطينية وستبقى فلسطينية. ولا تهديد لأمن إسرائيل من غزة. ولا لحصار غزة، فالمدنيون يجب عزلهم عن حماس وهم غير مسؤولين عن جرائمها".

كما أن هذه الخطة، تضرب بعرض الحائط التصور المستقبلي المتواضع، الذي أعلنه ماكغورك في المنامة،  ويتضمن أن "صوت وتطلعات الشعب الفلسطيني مركز الحوكمة في غزة، وأن الضفة والقطاع يجب أن يعودا تحت حكم السلطة الفلسطينية"، إضافة إلى ضرورة وضع أسس طريق "حل الدولتين"، وتوفير الأمن لإسرائيل، ووضع خطة لإعمار غزة على المدى الطويل.

عند المقارنة بين الوثيقتين، تكشف "خطة نتنياهو" الرغبة الواضحة في السيطرة الأمنية على قطاع غزة والضفة، التي يفترض أن إدارة بايدن ودولا أوروبية وعربية تعتبرها أساس الدولة الفلسطينية، لاعتقادها أن "السلام على المدى الطويل لن يحققه إلا تنفيذ حل الدولتين". كما تكشف استمرار حكومة نتنياهو ي وأد مواضيع المرحلة النهائية من المفاوضات (القدس، اللاجئون، المستوطنات، الدولة وحدودها) وتوسيع المستوطنات، التي قال عنها وزير الخارجية أنتوني بلينكن إنها لا تتسق مع القانون الدولي، في عودة البيت الأبيض إلى سياسة أميركية راسخة بعدما تخلت عنها إدارة دونالد ترمب.

مع اقتراب الانتخابات الأميركية، "جرأة" نتنياهو تزيد، وقدرة بايدن على الضغط على الحكومة الإسرائيلية تتراجع

واضح أن حكومة نتنياهو وضعت هذه المبادئ أهدافا لحربها في غزة وتصورا لـ"اليوم التالي" في الضفة والقطاع. وبايدن الذي هو في الأصل منحاز لإسرائيل ومتماهٍ معها، كما أعلن أكثر من مرة، لن يغامر بالمغامرة بأصوات جماعات الضغط الإسرائيلية في أميركا في الأشهر المقبلة. كما أنه كان قد أعلن أكثر من مرة أنه لن يضع "أي شروط مقيدة" على المساعدات العسكرية المقدمة لإسرائيل، والبيت الأبيض أعلن "استثناء" تل أبيب من القيود التي وضعت على مستوردي السلاح وضرورة التزامهم بمبادئ حقوق الإنسان.

واضح أن "جرأة" نتنياهو تزيد، وقدرة الرئيس الأميركي على الضغط على الحكومة الإسرائيلية تتلاشى، مع اقتراب السباق الى البيت الأبيض آخر العام. ليس في السجل، ما يشير الى عكس هذا الاستنتاج.

font change