محمد فوزي ومنير مراد ثنائي البهجة الموسيقية المصريةhttps://www.majalla.com/node/311531/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D9%81%D9%88%D8%B2%D9%8A-%D9%88%D9%85%D9%86%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AF-%D8%AB%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%87%D8%AC%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9
في بداية القرن العشرين، تمكن "فنان الشعب" سيد درويش من إحداث ثورة غير مسبوقة في عالم الموسيقى العربية، أفضت إلى إصابة الفلسفة العتيقة للطرب في مقتل، إذ سحبت البطولة المطلقة من المطرب أو صاحب التخت وجعلته مجرد عنصر في تشكيل الأغنية. برزت تاليا بطولات متجاورة تخص الجملة الموسيقية والتوزيع وحتى استخدام الكورال والمجاميع، ناهيك بتغيير جذري في شكل الأغنية حيث لا حدود للعب بالمذاهب والكوبليهات والمقامات بالطبع، لهذا تخلد اسم درويش مع رواد التجديد في العصر الحديث، على الرغم من حياته القصيرة.
كان درويش ممن تنطبق عليهم مقولة "لا يجود الزمان بمثله"، بيد أن ذلك الزمن لم يكن شحيحا في بعض فتراته، حيث ظهر عدد من نجوم الموسيقى، أحدثت موسيقاهم موجات ثورية متلاحقة وعابرة للزمن نفسه، لا يزال صداها يتردد إلى يومنا هذا، كما يتناقلها الملحنون بإعادات توزيع لا تنتهي. اثنان من أهم هذه الأسماء هما محمد فوزي (1918-1966) ومنير مراد (1922-1981).
ربما لم يلتقيا في عمل مشترك إلا أن ما جمع بينهما كان أكبر من أن يتحمله لحن أو فيلم أو استعراض، فمن المؤكد أن هناك أواصر أخرى تجمع بين صانعي البهجة الموسيقية المصرية.
أكثر ما يميز ألحان منير مراد حالة المرح التي تحملها، وهي الحالة التي كان يعيشها في حياته
في الخامس عشر من أغسطس/آب (1918)، شهدت إحدى قرى محافظة الغربية ميلاد الطفل محمد فوزي حبس عبد العال الحو، الابن الأكبر من الزوجة الثالثة لعمدة قرية أبو جندي، الذي سيكون في ما بعد الموسيقار والفنان الشهير محمد فوزي، وهو اسم مركب حيث اعتادت عائلة الحو إطلاق أسماء مركبة على أبنائها، بحسب الفنانة هدى سلطان شقيقة فوزي في برنامج "الصهبجية" من تقديم الإعلامي وجدي الحكيم، ومنها نعلم أن اسمها الحقيقي جمالات بهيجة، فيما حملت أختهما هند علام اسم زينب عواطف، وقد قدّمت علام عددا قليلا من الأفلام وبعض الأغنيات وسرعان ما اعتزلت الوسط الفني مبتعدة عن الأضواء.
التحق فوزي في طفولته -ككل الريفيين- بكتاب القرية وفيه حفظ القرآن، في المدرسة الثانوية عرض عليه مدرس اللغة العربية تعلم العود من طريق صديق يعمل في الإطفاء يدعى محمد الخربتلي، بعدما استمع إليه يلقي القصائد بشكل مختلف، وهذا ما فتح أمام الشاب بابا نحو الموسيقى أخذ يتلمّس خطاه في الموالد وحلقات الذكر والأناشيد حتى ضاقت به القرية، خصوصا بعد ممانعة أبيه فلم يجد حلا سوى الهروب إلى القاهرة كي يلتحق بمعهد فؤاد الأول -معهد الموسيقى حاليا- ويشق الطريق نحو حلمه.
في المعهد، يُعجب بصوته أحد الموظفين ويدعى مصطفى العقاد وكان يعمل متعهد حفلات وأفراح ومن ثم بدأ يقترح اسم فوزي على الزبائن كصوت جديد وبأجر أقل. اتفق العقاد مع الشاب القروي على أن تكون تلك الحفلات بمثابة تدريب عملي على ما يدرسه في المعهد، ولن يسلم الأمر من بعض النثريات القليلة كأجرة التاكسي وعشاء أو غداء وما إلى ذلك وهو ما بلغت قيمته جنيها شهريا وجد فيه فوزي ملاذا من الفقر أو العوز مع مبلغ مشابه ترسله أمه اليه دون علم والده.
انتقل فوزي إلى القاهرة في النصف الأول من الثلاثينات، وأمضى ما يقارب العقد متنقلا بين الفرق والصالات مثل "رتيبة وإنصاف رشدي"، ومثلت فرقة "بديعة مصابني" محطة مهمة في تكوينه الفني والموسيقي حيث تقابل هناك مع عمالقة الموسيقى فريد الاطرش ومحمود الشريف ومحمد عبد المطلب. لم تقتصر أسماء متخرجي فرقة بديعة على الموسيقيين وفقط، بل مثلت في زمنها ما يشبه أكاديمية خاصة للفنون تخرجت فيها دفعات مميزة جدا مثل سامية جمال وتحية كاريوكا وإسماعيل ياسين وزينات صدقي، والقائمة تطول.
وضعت بديعة لأكاديميتها قواعد صارمة تحتم عدم الاختلاط أو التبادل العاطفي بين رجال الفرقة ونسائها، إذ وجدت في البداية أن نتيجة كل قصة حب تنتهي بالزواج وبالتالي مكوث الزوجة في البيت، لذلك حين علمت بخرق فوزي للقواعد مع إحدى الراقصات طردتهما على الفور –كما هو شائع- ولن يكون أمام الشاب بعد ذلك سوى محطة أخيرة في فرقة "فاطمة رشدي"، وهي من رشحته للمخرج توجو مزراحي ليلحّن أغنية في فيلمها الجديد "الطريق المستقيم" (1943)، أولى خطواته نحو السينما، الأمر الذي سيتكرر في ما بعد كملحن أيضا في فيلمين هما "كدب في كدب" و"شارع محمد علي" من إخراج مزراحي، أحد أوائل المخرجين الذين عمل معهم الفنان المتعدد المواهب منير مراد.
يعمل محمد فوزي مثل المنقبين تماما، فصانع الجواهر يجب أن يستغل أقصى طاقات المادة الخام ويحورها كيفما يشاء
كانت السينما هي الوجهة الأولى التي أرادها مراد، لذلك عمل خلف الكاميرا لمدة 15 سنة كعامل كلاكيت ومساعد مخرج أو ملاحظ سيناريو مع عدد كبير من المخرجين منهم يوسف وهبي وكمال سليم وأحمد بدرخان ونيازي مصطفى وفطين عبد الوهاب وعز الدين ذو الفقار، وكل الأفلام التي أخرجها أنور وجدي بالطبع. لم يبدأ بتعلم الموسيقى سوى في وقت متأخر، على الرغم من أنه بدأ بالعزف على العود قبل أن يبلغ العاشرة من عمره.
على باب مسجد
عارض محمد فوزي في البداية دخول شقيقته هدى سلطان الوسط الفني بشدة وكان قد سبقها إليه، ووصل الأمر لديه كما تروي سلطان إلى حدّ التلويح بالقتل، إذ استدعى أخوته وأبناءهم من الريف وطلب منهم "محو العار" الذي ستجلبه "بهيجة"، الأمر الذي اختلف كليا مع منير مراد الذي كانت شقيقته ليلي مراد الباب الأول لدخوله عالم الفن وهو لا يزال في السادسة من عمره، لم تقف حائلا بينه وبين الموسيقار محمد عبد الوهاب، حين زار منزلهم للاتفاق مع ليلى على فيلم "يحيا الحب" (1938) وما كان من الصغير إلا أن سحب عود والده وجلس يدندن بلحن جديد وقتها لعبد الوهاب نفسه.
ربما أكثر ما يميز ألحان منير مراد هو حالة المرح التي تحملها، وهي الحالة التي كان يعيشها في حياته، فهو مرح بالسليقة، كما تبين الحوارات الإذاعية القليلة المتوفرة له، أما عن المقالب والمواقف الطريفة التي اشتهر بها، فهناك منها ما لا يمكن حصره، إذ واظب عليها مراد طوال حياته تقريبا. كذلك نجده دائم التندر في كلامه كأن يقلب الأرقام مثلا حين يسأل عن عمره فيقول "أنا مواليد 1942 والذكي يفهم" ويضحك فيوضح المذيع أن المقصود العكس بالطبع، ثم يسترسل ويخبرنا أن ميلاده كان أمام مسجد بالقرب من منزلهم بحي العباسية، ومن الواضح أن أمه أحست بوجع المخاض أثناء عودتها واشتد بها أمام المسجد؛ إلا أن الخيال الفكاهي لمراد لن يغفل تفاصيل كهذه.
اشتهر الطفل أيضا منذ الصغر بتقليد الأقارب والمعارف والفنانين وهو ما شاهدناه في عدد من أعماله مثل استعراض "محدش شاف" وفيه يقوم بتقليد كاريكاتوري لعبد الوهاب وفريد الأطرش ومحمد فوزي وحتى أخته ليلى مراد. على أن التقليد عند منير لم يقف عند نقل الصوت أو الطريقة، بل يتجاوز ذلك إلى أبعد مدى، ففي استعراض آخر نعيش مع مراد رحلة غرائبية بعنوان "ماذا لو" مستعينا بأغنية عبد الوهاب الشهيرة "مش أنا اللي أبكي" كي يقدمها على طريقة الموجي والطويل وفريد الأطرش ومحمد فوزي حتى يصل إلى الملحنين القدامى، فكثيرا ما استمع إلى ألحان ضيوف والده من أمثال زكريا أحمد وداود حسني ومحمد القصبجي، الذين كانوا يجتمعون عندهم باستمرار حيث كان الوالد زكي مراد واحدا من أشهر مطربي العشرينات، ثم أخته ليلى مراد وأخت ثالثة تدعى ملك سافرت باكرا إلى أميركا ويقال إنها مارست الغناء هناك.
بدأ منير ممارسة التلحين أثناء عمله مساعد مخرج مع الفنان أنور وجدي زوج أخته، في عدد كبير من الأفلام مثل "ياسمين" و"دهب" و"عنبر"، وفي تتر عنبر كان اسمه لا يزال يُكتب "موريس مراد"، أما المحطة الفارقة في لفت الانتباه إلى الملحن الشاب فكانت مع فيلم "ليلة الحنة" وأغنية "واحد اتنين" من روائع البدايات لدلوعة الشاشة صباح. خلال مشواره قدم منير مراد ما يزيد على ثلاثة آلاف لحن ومقطوعة موسيقية، كان لشادية نصيب كبير منها، مما نتج منه العديد من الأغنيات الشهيرة والمميزة نذكر منها "ألو ألو" و"يا سارق من عيني النوم" و"مقدرش احب اتنين" و"يا دنيا زوقوكي..."، وحتى في مراحلها اللاحقة مثل "إن راح منك يا عين" و"القلب معاك" و"يا حبيبي عود لي تاني" من الفولكلور النوبي.
لا شك أن منير كان من أكثر الملحنين اندماجا مع صوت شادية، حتى أنه ربما يكون صاحب القاموس الأول للطريقة المثلى في التعامل مع المساحة الخاصة جدا لصوتها، والذي لم تبتعد عنه معظم محاولات من تعاملوا معها، بمن فيهم محمد فوزي نفسه. يُذكر أن أول بطولة لشادية كانت مع فوزي في فيلم "العقل في إجازة" (1947)، باكورة إنتاج شركة أفلام محمد فوزي، وتضحك شادية وهي تحكي القصة في إحدى حلقات البرنامج الإذاعي "حديث الذكريات" (تقديم أمينة صبري) وكانت تلك التجربة الأولى أيضا في الإخراج لحلمي رفلة.
العالم يغني
في أحد المشاهد الشهيرة من فيلم "الفانوس السحري" (1960) نتابع إسماعيل ياسين وهو داخل ملهى ليلي يحاول بعثرة مبلغ كبير من المال، وحين يسكر يطلب من الأوركسترا عزف أغنية "يا مصطفى..." ليرقص عليها. لم تكن هذه هي المرة الأولى لظهور الأغنية، فقبل عام تقريبا طلبت مغنية يونانية تعيش في الإسكندرية من محمد فوزي أن يلحن لها أغنية خفيفة بطابع "الفرانكو أراب"، فكانت هذه الأغنية التي غناها أيضا المطرب برونو جيجليوتي الأخ الأصغر لداليدا، وفي العام التالي، ظهرت الأغنية في فيلم "الحب كده" بأداء بوب عزام وهو مغنٍّ مصري مغمور من أصل لبناني. يمر عزام بأزمة عاطفية ويسافر إلى الخارج حاملا معه "أغنية سعده"، فقد انتشر اللحن كالنار في الهشيم كما يقال، وحين سئل عن مصدره أفاد بأنه من الفولكلور الإسكندري اليوناني القديم، مما فتح الباب لخروج عشرات النسخ من الأغنية بلغات مختلفة منها الفرنسية والايطالية والتركية وحتى اليابانية، وهو ما كان سيجعل صاحب اللحن الأصلي من أصحاب الثروات لولا ضياع حقوق الملكية الفكرية.
فُتن منير مراد بالتجديد وكان جل ما يرجوه إدهاش المستمع وإبهاره بتحديثات متوالية لما وصلت إليه الموسيقى العالمية
لعب فوزي على ثيمة "الفرانكو أراب" أكثر من مرة من بينها أغنيتا "علي بابا" و"فطومة"، وفي المجال نفسه قدم منير مراد أغنية "أكلك منين يا بطة" من خلال استعراض راقص في فيلم "بنت الحتة" (1964). الإنتاج الغزير والمتعدد لمنير مكنه من التعامل مع الأصوات الغنائية في عصره، كما يؤكد ذلك في أكثر من تسجيل إذاعي، وكانت ألحانه سببا في شهرة بعض الأصوات في بداياتها مثل "قسمة ونصيب" لهاني شاكر، أو هي أغنيات فارقة ومميزة في مسيرة أصحابها "غلاب الهوى" لمها صبري، و"كعب الغزال" لمحمد رشدي و"حارة السقايين" و"لما راح الصبر" لشريفة فاضل.
نظرية البهجة
أتقن منير مراد ست لغات (العربية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية واليونانية والألمانية) أما اللغة السابعة فكانت كما يؤكد اللغة الموسيقية. من هنا كان احتكاك منير مع ثقافة الموسيقى الغربية قريبا جدا بما وفر له التعرف الى كل جديد في عالم الموسيقى، ومن الخطأ أن يُنظر إلى ألحانه على أنها نقل أو حتى "تمصير" كما أطلقها هو على نفسه، فالفلسفة التي يطرحها في جملته الموسيقية تعتمد على التوليف من أغرب أبوابه، فيبدأ على سبيل المثل استعراضه الشهير "ضحك ولعب وجد وحب" بصفارة صغيرة وبتمهل، ودون أن تدري تجد نفسك وقد تورطت داخل كرنفال موسيقي يُذكّر بعالم السيرك، آلات النفخ والنحاس والإيقاع تتداخل وتتضافر مكوِّنةً كورسا سيبقى في الخلفية يظهر ويختفي بحسب الحاجة. المثير في ألحان مراد هو انتقاله الرهيف بين الغربي والشرقي وهو في ذلك ليس بحاجة إلى آلات موسيقية، فقد تأتي النقلة عبر صوت الكورال أو حتى إعادة المذهب بتوزيع مختلف أو من طبقة أخرى.
في المقابل يعمل محمد فوزي مثل المنقبين تماما، فصانع الجواهر يجب أن يستغل أقصى طاقات المادة الخام ويحورها كيفما يشاء، ونجد أن ذلك الحس لديه لا يقف عند حد استخداماته فحسب، وكأن الأمر فطري، وهذا ما تخبرنا به العديد من القصص والوقائع مثل قصته مع بليغ حمدي وإعجابه بما قام به التلميذ مقدما إياه على نفسه للتعاون مع "كوكب الشرق"، الفرصة التي كان يتمناها كل الملحنين المعاصرين للست. يقول الشاعر الغنائي صلاح فايز في كتابه "بين السيف والقلم": "قبل أن ينتهي عام 1960 كنت قد سجلت مع محمد فوزي أغنية للصبوحة بعنوان "بيني وبينك تار"، وأتذكر أن فوزي طلب مني أن أرفع شطرة "مافيش حلاوة من غير نار" واستخدمها في أغنية تالية، وبالفعل استخدمتها في أغنية أخرى من ألحان العظيم عبد العظيم عبد الحق للمطرب صاحب الصوت الحريري محمد قنديل".
لا شك أن محمد فوزي يعتبر من أكثر التجريبيين، بداية من ابتكار طرق جديدة أو القدرة على تغيير المقامات والانتقال بينها
فُتن منير مراد بالتجديد وكان جل ما يرجوه إدهاش المستمع وإبهاره بتحديثات متوالية لما وصلت إليه الموسيقى العالمية، وأكثر ما يفرحه تعليق من قبيل "إيه الدخول ده.. إيه الفكرة دي.."، في أغنية "أنا أحبك" لعايدة الشاعر. لم يستخدم مراد سوى تكة واحدة وبسيطة على طول الأغنية وربما لن يجد البعض فيها مساحة كافية من الموسيقى. أما محمد فوزي فنجد أن التجريب عنده قد تجاوز المدى كما يقال، حتى أنه استغنى كليا عن الآلات والعازفين وصنع مقطوعته الموسيقية من مجموعة أصوات بشرية على طريقة "الأكابيلا" وهو أسلوب ترانيم كنسي يستغني عن مصاحبة موسيقى الآلات ويكتفي بالصوت البشري.
في أغنية "طمني" يقسم فوزي المحيطين به إلى ثلاثة مجاميع كي يقوموا بأدوار الآلات الموسيقية فيما يقوم هو بالغناء. وإذا أردت إعادة البناء وتحويل تلك الأصوات والمقامات التي خرجت منها، فستجد نوتة مكتوبة بعناية ودقة وصعوبة في الوقت نفسه، وهو ما يبرر عدم إقدام أي من الملحنين بعد فوزي على تجربة كتلك، على الرغم من تمسكه طوال الوقت بالقيم الموسيقية الشرقية، إذا جاز التعبير. لا شك أن محمد فوزي يعتبر من أكثر التجريبيين، بداية من ابتكار طرق جديدة أو القدرة على تغيير المقامات والانتقال بينها بما تستدعيه الدراما، ويظهر ذلك بوضوح في الاستعراضات والثنائيات التي قدمها. وهذا ما يعطي الجملة اللحنية في النهاية زخما وحركة وديناميكية من الصعب أن تخطئها الأذن، وربما يكمن هنا أحد أسرار فوزي في التلحين، فكما يقول عمار الشريعي: "لم يخلُ لحن لمحمد فوزي من فكر موسيقي".