فرضية اجتياح رفح... معركة نفسية بين إسرائيل و"حماس"https://www.majalla.com/node/311506/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%81%D8%B1%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%AD-%D8%B1%D9%81%D8%AD-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%B3
يبذل الدبلوماسيون غاية جهدهم لتأمين وقف إطلاق النار لتجنب السيناريو الأسوأ المتمثل في الهجوم الإسرائيلي على رفح، الذي سيتزامن، إن وقع، مع شهر رمضان، ويُخشى أن يؤدي إلى مزيد من زعزعة استقرار المنطقة.
تاريخيا، يشهد الشهر المقدس لدى المسلمين، الذي سيبدأ هذه السنة حوالي 10 مارس/آذار، إلى تفاقم التوتر الإسرائيلي-الفلسطيني، لكن المخاطر في هذه السنة أعلى في ظل التهديد باندلاع الصراع إقليميا. إن الإنذار الذي أعلنته إسرائيل بأن تطلق "حماس" سراح الرهائن بحلول شهر رمضان أو تستعد لمواجهة هجوم في رفح يضع المدينة المكتظة بالسكان، والتي صارت الآن ملجأ لمئات الآلاف من المهجرين ومعقلا لـ"حماس"، في بؤرة التركيز بشدة.
ويرى كثير من الإسرائيليين أن القوات الإسرائيلية لا بد لها في نهاية المطاف أن تقوم بعمليات في المدينة التي لجأ إليها مئات الآلاف من الفلسطينيين، بغض النظر عن المحادثات. والمنطق بسيط: رفح هي آخر منطقة حضرية رئيسة يمكن لـ"حماس" أن تختبئ فيها. كما أن العملية الأخيرة التي نفذها الجيش الإسرائيلي، وأسفرت عن إنقاذ رهينتين، ساعدت أيضا في تأكيد الشكوك حول احتمال أن يكون الكثير من الرهائن محتجزين في رفح. وإذا كانت الفكرة تتلخص في "القضاء" على "حماس" وإنقاذ الرهائن، فإن الخطوة المنطقية التالية، في أذهان الكثير من الإسرائيليين، ستكون ببساطة الذهاب إلى رفح.
تتصاعد المخاوف الدولية بشأن الهجوم المحتمل على رفح، نظرا للاكتظاظ الشديد في المنطقة. وإذا واصلت إسرائيل عملياتها بالطريقة التي اتبعتها في عملياتها السابقة، فإن الكثافة السكانية المدنية في رفح ستتسبب في زيادة هائلة في عدد الضحايا وحجم الأضرار، ما سيتجاوز بكثير كل ما سبق.
الهجوم الإسرائيلي على رفح سيضع القاهرة في موقف بالغ الصعوبة
وعلى الرغم من تاريخها الحافل في رفض الاحتجاجات العالمية، تواجه إسرائيل الآن تدقيقا دوليا غير مسبوق. لقد شكلت تداعيات الهجمات الإرهابية التي وقعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول نقطة تحول محتملة، حيث تعرب الولايات المتحدة عن معارضتها القوية للهجوم على رفح، سواء في البيانات العامة أو في المناقشات الدبلوماسية. بالإضافة إلى ذلك، أصدرت الدول الأوروبية إعلانات منسقة تحث على ضبط النفس، وأعربت دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، عن معارضتها. ولا شك في أن لمثل هذه التحذيرات وزنا كبيرا، خاصة وأن إسرائيل تدرس علاقاتها الدبلوماسية المستقبلية وجهودها نحو التطبيع مع هذه الدول.
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية المصري نفى أن يكون قد هدد على الإطلاق بإبطال معاهدة السلام مع إسرائيل، فإن القاهرة أعربت عن معارضة غير مسبوقة للعملية الإسرائيلية في رفح. ومن شأن الهجوم الإسرائيلي أن يضع القاهرة في موقف بالغ الصعوبة. وسيتعين على مصر أن تختار إما قبول مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، تحت خطر اتهامها بالتعاون مع محاولات تهجير الفلسطينيين بشكل دائم، وإما إغلاق بابها وتقاسم اللوم في التكلفة البشرية للعملية. والحال أنه على الرغم من عدم إصدار تهديد رسمي بإعادة النظر في معاهدة السلام مع إسرائيل فإن المخاطر التي تهدد استقرار مصر حقيقية.
ولكن ثمة أيضا خطر المجازفة في تأجيج الوضع بالضفة الغربية خلال شهر رمضان، خاصة مع القيود الجديدة التي يقترحها وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير لدخول المسجد الأقصى، ما يهدد بتصعيد العنف في القدس والضفة الغربية.
جبهة الشمال
وفي الشمال، تتصاعد التوترات على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية مع اقتراب شهر رمضان، حيث يستعد الجانبان– إسرائيل و"حزب الله"– للدخول في جولات جديدة من الصراع. ويسعى وسطاء دوليون من الولايات المتحدة وفرنسا للتوسط في وقف غير رسمي لإطلاق النار، واقترحوا انسحاب "حزب الله" من مناطق حدودية معينة مقابل قيام إسرائيل بسحب جنود الاحتياط. ولكن على الرغم من هذه الجهود الدبلوماسية، يبدو التوصل إلى اتفاق بعيد المنال. وقد رفض "حزب الله" علنا وقف هجماته على إسرائيل إلى أن يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، بينما تسعى إسرائيل جاهدة لضمان الأمن العام لسكان الحدود، متشككة في فعالية الجيش اللبناني ضد "حزب الله".
ثم تأتي رؤية الوضع في رفح من المنظور الإقليمي الذي لا يمكن فصله عن الوضع في غزة. لقد استجابت إيران للأزمة من خلال تفعيل وكلائها والتركيز المستمر على الولايات المتحدة، وزادت في التوتر تلك العمليات التي استهدفت حركة الشحن البحري في البحر الأحمر.
ليست الجمهورية الإسلامية صديقا صدوقا للفلسطينيين، ولكنها تستخدمهم لتعزيز مصالحها الإقليمية، ومع ذلك، يتعين عليها أيضا أحيانا الرد وإظهار الدعم للقضية الفلسطينية. ولا تزال إيران راغبة في تجنب التورط بشكل مباشر في الأزمة، مع الاستمرار في الاستفادة من التعاطف الإقليمي مع الفلسطينيين. سوى أن لعبة التوازن الأخيرة التي تلعبها إيران تهدد بفرض تكلفة ومخاطر أكبر بكثير. وتظهر حادثة مقتل ثلاثة جنود أميركيين في الأردن وما تلاها أن إيران لا تستطيع الاستمرار في التصعيد إلى الأبد، وتثبت أن واشنطن وطهران اللتين لا ترغبان حقا في مواجهة مباشرة بينهما، قد تجدان نفسيهما وسط مثل هذه المواجهة. ومع ذلك، حين ردت واشنطن بضربات كبيرة، ولكن محسوبة، فاجأت إيران المتابعين بطلبها من وكلائها في العراق- كما تشير التقارير- تعليق هجماتهم شبه اليومية ضد القوات الأميركية، سوى أن ضبط النفس قد لا يستمر في حال وقع الهجوم الإسرائيلي خلال شهر رمضان ما سيؤدي إلى إشعال هذه التوترات من جديد.
يبدو التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل و"حزب الله" بعيد المنال
وعلى الرغم من هذه المخاطر جميعها، لا يزال المرجح أن تشن إسرائيل عملية في رفح. ولكن ثمة دلائل تشير إلى أن إسرائيل ربما تريد استخدام التهديد بتنفيذ عملية في رفح فقط من أجل الضغط للتوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. والحق أن عديد القوات الإسرائيلية في غزة هو الآن عند أدنى مستوى له منذ 7 أكتوبر، وهو ما لا يكاد يناسب عمليات التوسع الإسرائيلي السابقة في القطاع الفلسطيني.
ولا يتوقف نتنياهو ومسؤولون إسرائيليون آخرون عن الحديث بصوت مرتفع عن العملية المقبلة، بل إن نتنياهو نفسه أعلن عن ضرورة إخلاء رفح، وهذا خلاف القاعدة التي كانت تترك الحديث والفعل للجيش. وقد أدى هذا الخطاب بالفعل إلى تهجير بعض الفلسطينيين من رفح، ومع ذلك لم يصدر أمر رسمي بالإخلاء من الجيش.
وقد تعثرت المحاولات الدبلوماسية للتوفيق بين مطالب "حماس" والمواقف الإسرائيلية. وتربط "حماس" أي إفراج عن الرهائن بوقف الأعمال العدائية، مما يتطلب ضمنيا استمرار حكمها في غزة، وهو ما ترفضه إسرائيل جملة وتفصيلا وتصفه بأنه "وهمي". ورفض نتنياهو إرسال وفد آخر إلى القاهرة، بعد أن سافر الوفد الأول "للاستماع" لرأي المصريين، والذي تكهن البعض بأنه مجرد تكتيك سياسي للبقاء، مما يزيد الأمور تعقيدا. والإجماع هو أن أي حل يترك "حماس" تسيطر على غزة لا يمكن الدفاع عنه بالنسبة للشعب الإسرائيلي، مما يسلط الضوء على طريق مسدود بشكل كبير أمام المفاوضات... ثمة فجوة هائلة لا بد من ردمها وليس لدينا الكثير من الوقت لنضيعه.