العصر الذهبي للغاز الجزائريhttps://www.majalla.com/node/311466/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A
في الأعوام الأخيرة، اتسعت رقعة اهتمام الجزائر بالذهب الأزرق على نحو لافت، فتزايدت بذلك اكتشافاتها وارتفعت احتياطاتها، وصنفت منظمة الدول المصدرة للنفط، الجزائر في أحدث تصنيف لها، كسادس أهم احتياطي للغاز الطبيعي. وقُدر احتياطي الجزائر من الغاز بنحو 4,500 مليار متر مكعب. جاء هذا نتيجة المساعي الجزائرية لرفع الإنتاج وسط زيادة الطلب الأوروبي في ظل أزمة الطاقة العالمية التي برزت بعد غزو القوات الروسية أوكرانيا.
وتبدو الجزائر اليوم في موقع ريادي حيث تصدرت قائمة الموردين في القارة السمراء، وهي مرشحة لتحقيق أرقام قياسية جديدة في صادرات الغاز بفضل عشرة اكتشافات نفطية جديدة خلال النصف الأول من العام المنصرم، ولا تزال البلاد تمتلك احتياطات من الغاز، إذ أن أكثر من ثلثي مساحة البلاد لا تزال غير مستكشفة، كما أن هناك نحو 100 اكتشاف للطاقة لم ير النور بعد، بحسب ما كشفته سابقا شركة "سونطراك" النفطية الجزائرية المملوكة للدولة.
خمسة أسباب منها تأثيرات حرب أوكرانيا
يرتقب أن يرتفع إنتاج الجزائر من الغاز الطبيعي بنسبة 4 في المئة بحلول عام 2026 بحسب تصريحات سابقة أدلى بها وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب، في حوار أجراه مع النشرة الشهرية الصادرة عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك" (OAPEC)، في سياق حديثه عن اكتشافات النفط والغاز الجزائريين.
حرب روسيا وأوكرانيا، دفعت بالدول الأوروبية، لا سيما الصناعية منها والمستهلكة للغاز الروسي، إلى البحث عن موردين آخرين مثل الجزائر وأذربيجان ونيجيريا
هناك مجموعة من العوامل التي غذت هذا التموضع وفقا لخبير الطاقة لمكي محمد المكي في تصريحات خاصة لـ"المجلة". يشير المكي إلى "سمعة الجزائر الجيدة كمورد آمن يحرص على كل تعهداته الخاصة بتوريدات الغاز المتفق عليها في العقود المبرمة مع شركائها في الجهة الأخرى من حوض البحر الأبيض المتوسط". أما العامل الثاني الرئيس، فيتمثل في "حرب روسيا وأوكرانيا، وهو ما دفع بالدول الأوروبية، لا سيما الصناعية منها والمستهلكة للغاز الروسي، إلى البحث عن موردين آخرين مثل الجزائر وأذربيجان ونيجيريا وغيرها".
أما العامل الثالث فوصفه المكي بـ"جريمة في حق الأمن الطاقوي الأوروبي، وبدرجة أقل العالمي ألا وهي التفجيران اللذان استهدفا خطي نقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق في 26 سبتمبر/أيلول 2022، والذي كان أحدهما ينقل ما سعته 55 مليار متر مكعب سنويا من الغاز إلى ألمانيا وبعض الدول الأوروبية".
الجغرافيا والبنية التحتية
يرجع المكي العامل الرابع لريادة الجزائر في توريد الغاز، وهو من بين العوامل المهمة جدا، إلى "اكتساب الجزائر البنية التحتية اللازمة لنقل الغاز إلى أوروبا والمتمثلة في أنابيب نقل الغاز، التي تفتقر إليها معظم الدول حتى نيجيريا".
يضيف المكي أن العامل الخامس "يتعلق بإيران وما عليها من عقوبات بسبب برنامجها النووي الذي يحول حاليا دون السماح لها بإبرام عقود توريد الغاز الى القارة الأوروبية". أما العامل السادس والأخير فيتمثل في توجه روسيا بتوريداتها الغازية نحو دول الشرق وعلى رأسها الصين، وخص المكي بالذكر "خط الأنابيب الجديد قوة سيبيريا 2 الذي ينقل 38 مليار متر مكعب سنويا، ومن المرجح أن يمر بالقرب من مدينة أتشينسك، جنوب سيبيريا، ثم كراسنويارسك وإيركوتسك، ثم جنوب بحيرة بايكال، قبل الوصول إلى ناوشكي، على الحدود مع منغوليا".
يتركز الغاز الطبيعي الجزائري بكثافة في حقل حاسي الرمل، وهي بلدة تابعة لمحافظة الأغواط تعتبر من أغنى البلدات لتوفرها على حقول الغاز. ويصنف هذا الحقل كأحد أكبر وأهم الحقول الغازية قاريا، ويشتهر بغناه بالمكثفات، إلى جانب منطقة حاسي مسعود، الواقعة في الجنوب الشرقي من الجزائر وتبعد نحو 80 كيلومترا عن محافظة ورقلة، وبركين التي تُعرف هي الأخرى بحقلي أورهود وحاسي بركين اللذين اكتشفا في التسعينات عبر شراكة بين "سونطراك" الجزائرية و"أناداركو" النفطية الأميركية.
تمثل أحواض الجنوب الغربي هي الأخرى رقما لا يستهان به في الإنتاج، فهي تعتبر أحد أهم أقطاب الاستغلال الغازية، لا سيما تلك الموجودة في منطقتي إن صالح وأدرار، أضف إلى ذلك حقل أحنيت بتيميمون، إضافة إلى حقول حاسي تيجران وتينركوك وحاسي با حمو التي "تقدر مستويات إنتاجها بنحو 4,5 مليار متر مكعب سنويا".
احتياطات الجزائر من الغاز تلامس 5000 مليار متر مكعب، تنتج منها أكثر من 100 مليار سنويا، كذلك تعرف بتحكمها بشكل أفضل في تكنولوجيا تحويل الغاز الطبيعي إلى غاز مسال
بوشيخي بوحوص، أستاذ محاضر في جامعة مستغانم
"أريحية مالية" جزائرية
شكل عاما 2022 و2023 على التوالي الحقبة "الذهبية" أو "الوردية" للغاز الجزائري، بعدما بلغت صادرات البلاد مستويات قياسية. ففي عام 2022، ارتفعت صادرات الجزائر غير النفطية لتصل إلى حدود 4 مليارات دولار أي بزيادة تقدر بـ 36 في المئة مقارنة بالعام السابق، وتوزعت هذه الصادرات على 147 دولة وهي سابقة تاريخية.
وفي عام 2023، حققت الجزائر ارتفاعا مهما في صادراتها من الغاز المسال وأصبحت أكبر مصدر لهذه المادة في أفريقيا، متجاوزة بذلك نيجيريا، مع نسبة نمو في هذه الصادرات هي الأعلى عربيا حسبما كشفت منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك" في تقرير صدر حديثا.
التقرير الذي نشرته "أوابك" على موقعها الإلكتروني عن "تطورات الغاز الطبيعي المسال والهيدروجين على أساس ربع سنوي وحالة الصناعة لعام 2023"، يكشف أن صادرات الجزائر من هذه المادة سجلت أداء متميزا السنة المنصرمة بسبب النمو الواضح عن معدلات 2022.
ويعتقد الخبير الاقتصادي والأستاذ المحاضر في جامعة مستغانم (غرب الجزائر) بوشيخي بوحوص، أن زيادة الصادرات ناتجة من "الموقع الجغرافي للبلاد فهي تتوسط العالم ولا سيما قربها من القارة الأوروبية التي لديها عجز كبير في الغاز سواء الطبيعي أو المسال".
وقعت شركة #سوناطراك الجزائرية عقداً مع شركة "وانهوا كيميكال" الصينية لإمداد مجمع وانهوا للبتروكيماويات بغاز البترول المسال
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) May 16, 2023
وفي حديثه الى "المجلة"، يقول بوحوص إنه "ومن بين العوامل التي جعلت الجزائر تتصدر المراتب الأولى، احتياطاتها من الغاز التي تلامس حاليا 5000 مليار متر مكعب، تنتج منها أكثر من 100 مليار سنويا، كذلك تعرف بتحكمها بشكل أفضل في تكنولوجيا تحويل الغاز الطبيعي إلى غاز مسال وأيضا لها إمكانات كبيرة في نقل الغاز الطبيعي عبر 4 أنابيب، إثنان منها موجودان في الشرق والآخران في الغرب. وكل هذه المعطيات تؤهلها لأن تكون لها مكانة كبيرة في العالم من حيث إيصال الغاز إلى كل دول العالم سواء من خلال النقل عبر الأنابيب أو النقل عبر البواخر بعد تسييل هذه المادة".
الجزائر اليوم في "أريحية مالية" دفعتها إلى اعتماد أكبر موازنة في تاريخها، 113 مليار دولار كنفقات عامة، وبعجز مرتقب 45 مليار دولار. رفعت النفقات الاستثمارية وخفضت الضرائب عن المؤسسات الناشئة ورفعت الأجور
وبحسب الأرقام والإحصاءات التي قدمها الخبير الاقتصادي، تصدر الجزائر سنويا نحو 11 مليار متر مكعب إلى إيطاليا ونحو 10 مليارات متر مكعب إلى إسبانيا عبر الأنابيب، وتصدر أيضا الغاز المسال إلى دول عدة من بينها فرنسا، إسبانيا، إنكلترا، البرتغال، الصين، الهند، ودول أوروبية وآسيوية أخرى.
كل هذه المؤشرات جعلت الجزائر اليوم في "أريحية مالية" دفعتها إلى اعتماد أكبر موازنة في تاريخها بواقع 113 مليار دولار كنفقات عامة، وبعجز مرتقب 45 مليار دولار. وتميزت الموازنة برفع النفقات الاستثمارية وتخفيف الضرائب عن المؤسسات الناشئة ورفع الأجور واستمرار دعم المواطنين.
قمة ووزن إقليمي ودولي جديد
تتطلع الجزائر ضمن إستراتيجيتها التوسعية إلى اختراق أسواق دولية جديدة، وستنتهز فرصة القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز المقررة على أراضيها خلال الفترة الممتدة بين 28 فبراير/شباط الجاري والثاني من مارس/آذار المقبل، لتحديد معالم هذه الإستراتيجيا، لا سيما أنها ستعقد في وقت حساس مع ارتفاع الطلب على هذه المادة الحيوية. ويقول بوحوص، إن "القمة ستضفي وزنا إقليميا ودوليا جديدا للبلاد وتعزز تموضعها على الساحة العالمية".
وعن الأهداف والنتائج المتوخاة من هذه القمة التي ستتوج بـ "إعلان الجزائر"، يرى بوحوص أن "هذا المنتدى الذي يضم حاليا 12 دولة عضوا و7 دول بصفة مراقب تمثل نحو 69 في المئة من احتياطات الغاز الطبيعي في العالم، يسعى اليوم إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المشتركة وهي التنسيق في الإنتاج والتسويق في أحسن الظروف وبالسعر المعقول والعادل للمنتجين والمستهلكين سواء بالنسبة للغاز الطبيعي المنقول عبر الأنابيب أو لعقود طويلة ما أمكن وأسعار تفضيلية، وكذلك المساهمة في تعميم استعمال الغاز من أجل خفض انبعاثات الكربون".
يؤيده في الرأي محمد خوجة مدير البحث في المعهد الجزائري للبترول لـ"سونطراك"، إذ يعتقد أن "القمة ستكون فرصة لضبط الأولويات وتحديد التفاهمات في ظل التحولات الجيوسياسية الدولية الأخيرة من أجل تثمين مصادر الطاقة وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية".
من بين التحديات الراهنة التي ذكرها خوجة "احتمال تسجيل شح كبير في كميات الغاز التي سيتم تصديرها انطلاقاً من منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج، وهو ما يدفع اليوم إلى التعاون في مجال التكنولوجيات المتطورة لتعزيز القدرة على الاستكشاف".
واستحضر خبير الطاقة أيضا "ما يجري حاليا في منطقة البحر الأحمر"، ووصف الوضع بـ"المحرج" لا سيما بالنسبة الى الدول المصدرة للغاز، على اعتبار أنّ دول الخليج والشرق الأوسط تمثّل نسبة معتبرة من الصادرات النفطية العالمية، وأبرزها دولة قطر التي تعدّ اليوم من أكبر الدول المصدّرة للغاز المسال في العالم بنسبة 20 في المئة من الصادرات، إلى جانب كل من الولايات المتحدة الأميركية وأوستراليا".