البعض من ساسة هذا الزمن الذي يمر به السودان، والذي انتهى بنا في درب هذه الحرب، لم يعرفوا من السياسة إلا شبقهم للسلطة واعتلاء المناصب ولو عبر فوهات البنادق مرورا بسرديات التضليل والتدليس التي تجتهد في التبرير للحرب.
تجدهم يحاولون أن يفرضوا على سياق النقاش العام عن حرب السودان ثنائية سامة، تفرض على الجميع الانحياز لمعسكري ميليشيا "قوات الدعم السريع" أو الجيش، أو لمعسكري قوى "الحرية والتغيير" أو الإسلاميين، ويصنفون الشعب السوداني- وفق محاولتهم احتكار الصوت المدني وجهد وقف الحرب وكأنه غنيمة أخرى- لملائكة معهم أو شياطين ضدهم، مستخدمين في ذلك كل وسائل التزوير في تدليس المواقف ونسبتها للناس ونشر الدعايات عنهم في عملية تهدف للابتزاز الإعلامي وإسكات الأصوات المختلفة أو إجبارها على تبني ما شاه من مواقفهم.
الشاهد أن الواقع أوسع من ذلك. وهذه البلاد أكبر منهم ومن هذه الثنائيات السامة. وفي الحقيقة فإن هذا التبسيط المعلول هو مجرد رافعة وغطاء لخدمة أهداف سياسية ذاتية والصعود على محرقة هذه الحرب لتحقيقها، دون وضع اعتبار لعواقب ذلك على شعب السودان.
منذ يومها الأول ظللنا نردد فيما هو موثق أن هذه الحرب حرب سيئة تدور بين طرفين سيئين يتراوحان في سوئهم. وأن الموقف الحاد ضد الميليشيا مرتبط بشكل مباشر ومبني على حجم انتهاكاتها ومدى فظاعة ما ترتكبه الآن ضد السودانيين، الذين وقع جندها فيهم تقتيلا وإبادة وتشريدا واغتصابا واحتلالا للمنازل ونهبا للمقتنيات.
كل هذه الأفعال تتعارض مع وجود السودان كدولة يطمئن الناس للمعيشة فيها، وتحكمها نظم وقوانين تنظم حياة الناس ومعاشهم. وما أدل على ذلك، من إبرة بوصلة حركة السودانيين التلقائية نزوحا من المناطق التي تسيطر عليها الميليشيا نحو المناطق التي يسيطر عليها الجيش.
بوصلة هذه الحركة الطبيعية والتلقائية ترشد من ينظر للأمر بعين التجرد والوضوح إلى حجم وزر فعائل ميليشيا "قوات الدعم السريع" واستمرارية وجودها الذي لا يتوافق ولا يتسق مع الحياة والمعيشة الطبيعية، ولا يملك السودانيون إلا أن يلوذوا منها فرارا، بحثا عن السلامة.