وقد جاءت الفكرة أثناء فترة انتشار وباء كوفيد19، حين كان الموت يحاصرنا في كل لحظة، وشعرنا بأننا مهددون في بقائنا، وأحسسنا بمقدار هشاشة الكائن وتفاهة الحياة. وتحت وطأة هذه الهواجس، قرّرت الاستفادة من فائض الوقت الذي نقضي جله محاصرين مرعوبين في منازلنا، لجمع كتاباتي، فنتج من ذلك إصداران أحدهما الأعمال الشعرية، وكتاب آخر بعنوان "بريد المحطات" ضمنته أهم مقالاتي الأدبية التي نشرتها في الصحف والمجلات طيلة فترة من الزمن.
-
كيف حققت التوازن الصعب في شعرك بين الشعر الحر وقصيدة النثر؟
في البدء يجب أن أؤكد أنني ليست لديّ مشكلة مع الأشكال الشعرية على الإطلاق، ولست متحيزا إلى شكل دون الآخر، وأرى أن الشعر فضاء جمالي وإبداعي يستوعب تلك الأساليب والأشكال كافة، وتظل المسألة ذوقية وجمالية ورؤيوية للشاعر. ولست من أنصار المعارك الوهمية التي يسعى فيها كل فريق لإقصاء الآخر وتصفيته. الشعر يستوعب الجميع، والكل لديه الحق في اتخاذ الشكل التعبيري الذي يرى فيه ذاته وتتجسّد فيه قناعاته وليس قناعات الآخرين، أيا تكن المسوغات.
أكتب شعر التفعيلة بشكل أكبر، إلى جانب كتابتي لقصيدة "البيت"، التي سعيت منذ فترة مبكرة لتطويرها وتجديدها، مستفيدا من قراءاتي المتعددة في النقد الحديث والشعر الحديث، بما في ذلك قصيدة النثر، حيث قمت بتوظيف هذه التقنيات والأساليب في كتابة القصيدة المقفاة، التي حافظت على شكلها العمودي، في حين تحررت بشكل جذري على مستوى البنية التعبيرية والاشتغال على اللغة وتشكيل الصورة.
-
تُرجم بعض قصائدك إلى لغات أخرى، فكيف تنظر إلى مسألة الترجمة؟
ثمة مقولة ترى أن الكتابة باللغة الأم تنتج أدبا محليا أما الترجمة فتنتج أدبا عالميا، وهذه المقولة صادقة إلى درجة كبيرة، فلولا الترجمة ما قرأنا الأعمال الإنسانية الخالدة مثل أعمال هوميروس وشكسبير ورامبو ودانتي وطاغور وبابلو نيرودا وبورخيس وغيرهم. فالترجمة ضرورة حضارية بين الأمم، ولولا الترجمة لبقيت الأمم في معزل بعضها عن بعض.
وأرى أن ترجمة آدابنا، لا سيما الشعر، تساهم في نقل صورة حضارية مشرقة عن ثقافتنا العربية، وتثبت للعالم أننا كعرب لدينا ثقافة وفنون وآداب عظيمة وإرث حضاري فريد له خصوصيته وعمقه الذي لا تضاهيه ثقافة أخرى. وهذه هي الرسالة التي نريد أن نقدمها الى العالم.
مسارات مضيئة
-
ترجمتَ كتابين بعيدين عن الإبداع، فما الذي دفعك الى ذلك؟
أنا مترجم متخصص بين اللغتين العربية والإنكليزية، لكني في المجال الكتابي أميل إلى الشعر أكثر من الترجمة. وقد ترجمت كتابين هما "البديل الابتكاري لتنمية اقتصادية مستدامة: سلطنة عُمان نموذجا" للدكتور إبراهيم الرحبي، و"مذكرات رجل عماني من زنجبار" لسعود بن أحمد البوسعيدي. وقد كان الدافع لترجمة الكتابين هو ما يمثلانه من أهمية على المستوى الوطني الاقتصادي والتاريخي، لبلادي. فكتاب "اقتصاد المعرفة" هو أول دراسة علمية تتناول الاقتصاد العماني على ضوء الاقتصاد المعرفي، ويعدّ الكتاب مرجعا تأسيسيا لأية دراسة لاحقة في مجاله. أما الكتاب الثاني فله أهمية تاريخية، ويمثل وثيقة ناطقة وشهادة حية لمرحلة مهمة من الوجود العماني في القرن الأفريقي، نظرا الى قرب مؤلفه من القصر السلطاني، وقد تبوأ منصبا رفيعا في الحكومة العمانية في المهجر، وشهد ازدهار الحضارة العمانية في أفريقيا، كما شهد أحداث الانقلاب الغادر على الحكم العماني. وعايش بداية النهضة العمانية بقيادة السلطان الراحل قابوس ثم تبوأ مناصب رفيعة في حكومته السلطان. وكنت محظوظا بلقائه في آخر أيام حياته، وكنت أعرض له الترجمة العربية لكتابه الذي كتبه باللغة الإنكليزية.