عندما شنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما أطلق عليه "العملية العسكرية الخاصة" قبل عامين، كانت توقعاته هي أن القوة العسكرية الروسية المتفوقة سوف تحقق هدفه المتمثل في غزو البلاد في غضون أسابيع.
كان الهدف الرئيسي للقوات التي يقدر عددها بـ 200 ألف جندي والتي جمعت على الحدود الأوكرانية قبل الغزو الذي حدث في 24 فبراير/شباط 2022، هو الإطاحة بحكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي وإقامة نظام جديد موالي لروسيا في كييف.
من وجهة نظر بوتين، تعد أوكرانيا جزءا لا يتجزأ من روسيا تاريخيا، وما كان ينبغي أن تُمنح وضعا مستقلا أثناء تفكك الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينيات، وهي الحجة التي استخدمها بوتين لتبرير الغزو في مقالة مطولة نُشرت في يوليو/تموز 2021 بعنوان "حول الوحدة التاريخية بين الروس والأوكرانيين".
أقنع بوتين نفسه بأن القوات الغازية الروسية سوف يرحب بها وينظر إليها على أنها قوات تحرير من قبل الشعب الأوكراني المضطهد، الذي سقطت بلاده تحت سيطرة ما وصفهم بـ "النازيين الجدد". واعتمدت حساباته الرئيسية الأخرى على أنه بعد التداعيات المخيبة للانسحاب العسكري الغربي من أفغانستان في صيف عام 2021، فإن أوكرانيا إذا حاولت مقاومة الغزو الروسي لن تتلقى سوى دعم ضئيل من المؤسسات الغربية، مثل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
ومع حلول الذكرى السنوية الثانية للصراع، يبدو واضحا أن بوتين أخطأ بشدة في حسابات ما قبل المعركة فيما يتعلق بقدرة روسيا على تحقيق نصر سريع وحاسم.
بوتين أخطأ بشدة في حسابات ما قبل المعركة فيما يتعلق بقدرة روسيا على تحقيق نصر سريع وحاسم
فقد اتضح أن المؤسسة العسكرية الروسية، بعيدا عن كونها مؤسسة النخبة التي تصورها بوتين، كانت عبارة عن مجموعة من الرعاع غير المنظمين وغير الكفؤين، الذين تعرض هجومهم على العاصمة كييف لهزيمة سريعة من قبل القوات الأوكرانية الأكثر مرونة والأفضل تجهيزا.
وبعيدا عن إقناع الشعب الأوكراني بالاستسلام لموسكو، فإن السلوك الهمجي للقوات الروسية الغازية خلال المراحل الأولى من الصراع، مع اغتصاب النساء الأوكرانيات وقتلهن وإخضاع الجنود الأسرى للتعذيب والإعدام بإجراءات مقتضبة، كان له تأثير معاكس. فقد توحدت الأمة الأوكرانية بأكملها ضد الغزاة الروس.
كما استهان بوتين بشدة بتصميم القوى الغربية الكبرى، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، على حشد الدعم لأوكرانيا. حيث أثبتت الأسلحة المتقدمة التي قدمتها كل من واشنطن ولندن، وخاصة الصواريخ المضادة للدبابات والمدفعية بعيدة المدى، أنها حاسمة في إحباط التقدم الروسي.
في الواقع، لفترة قصيرة قرب نهاية عام 2022، حققت القوات الأوكرانية سلسلة من النجاحات الملحوظة في ساحة المعركة، بما في ذلك استعادة مدينة خاركيف الشمالية ومدينة خيرسون الجنوبية، التي تعتبر بوابة شبه جزيرة القرم. وظلت شبه جزيرة القرم، التي كانت تاريخيا موطنا لأسطول البحر الأسود الروسي القوي، أحد الأهداف الرئيسية لكييف، حيث كانت القوات الأوكرانية تهاجم بانتظام السفن البحرية الروسية إلى الحد الذي أصبحت فيه عمليات الأخيرة في البحر الأسود محدودة للغاية.
حققت القوات الأوكرانية سلسلة من النجاحات الملحوظة في ساحة المعركة
كما كان للعدوان الروسي غير المبرر على أوكرانيا، ودوره في إثارة أكبر صراع تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، تأثير مفيد على حلف "الناتو".
قبل الغزو، كان التزام العديد من الدول الأعضاء الأوروبية بالحلف فاترا، في أحسن الأحوال، حيث لم تكلف إلا عدة دول نفسها عناء تلبية متطلبات حلف شمال الأطلسي بإنفاق 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. وقد أدى هذا القصور إلى خلق توترات مع الولايات المتحدة، حيث هدد سياسيون مثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بسحب الدعم الأميركي للتحالف إذا فشلت القوى الأوروبية مثل ألمانيا في الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه حلف شمال الأطلسي.
استدعى الغزو الروسي دفع الزعماء الغربيين، وخاصة في ألمانيا، إلى إعادة التفكير بشكل جذري في موقفهم من حلف "الناتو".
استدعى الغزو الروسي دفع الزعماء الغربيين، وخاصة في ألمانيا، إلى إعادة التفكير بشكل جذري في موقفهم من حلف "الناتو"
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، لم يتمكن سوى سبعة من أصل 31 عضوا في التحالف من تلبية متطلبات الحد الأدنى للإنفاق البالغة 2%. واليوم بلغ هذا الرقم 18 دولة، مع تعرض الدول الأعضاء الأخرى لضغوط لزيادة إنفاقها إلى المستوى المطلوب قبل قمة الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس التحالف في يوليو/تموز والتي من المقرر أن تعقد في العاصمة واشنطن.
إضافة إلى ذلك، توسعت عضوية "الناتو" لتشمل عضوين جديدين، فنلندا والسويد، اللتين اضطرتا إلى التخلي عن حيادهما الذي دام لفترة طويلة ردا على الغزو الروسي.
وبالتالي فإن إحدى النتائج الأكثر سلبية للصراع حتى الآن والتي يبدي الكرملين اهتماما بها هي أن تصرفات بوتين في أوكرانيا، بعيدا عن أنها كشفت عن ضعف الغرب بشكل ملحوظ، خلفت تأثيرا معاكسا تمثل في تقوية عزيمة الغرب.
يمكن القول إن مجموعة من العوامل في الأشهر الأخيرة تشير إلى أنه، رغم كل النكسات التي عانت منها موسكو خلال العامين الماضيين، هناك إشارات مشجعة لبوتين بأن تيار الصراع على وشك التحول لصالحه.
توسعت عضوية "الناتو" لتشمل عضوين جديدين، فنلندا والسويد
في حين قدم الغرب الدعم العسكري والمالي الذي تشتد الحاجة إليه، فقد نشأت عدة انقسامات أيضا، لاسيما في واشنطن، حول المدة التي يجب أن تستمر فيها الولايات المتحدة في دعم المجهود الحربي في أوكرانيا، مما أدى إلى سعي الكونغرس إلى منع أحدث ميزانية مساعدات قدمتها إدارة بايدن والبالغة 60 مليار دولار.
وفي الوقت الحالي، فإن القوى الأوروبية، مثل المملكة المتحدة، التي زودت كييف في السابق بالإمدادات العسكرية الحيوية، تكافح من أجل الحفاظ على دعمها بسبب صعوبات إنتاج الأسلحة. وقد أدى ذلك إلى اعتراف الاتحاد الأوروبي مؤخرا بأنه لن يكون قادرا على تزويد أوكرانيا بالمليون قذيفة مدفعية التي وعد بتزويدها بها الشهر المقبل.
من المؤكد أن الصعوبات التي يواجهها الغرب في الحفاظ على دعمه العسكري لأوكرانيا تخلف تأثيرا سلبيا على ساحة المعركة، حيث أشار القادة الأوكرانيون إلى نقص الذخيرة في قرارهم بالانسحاب من بلدة أفدييفكا ذات الأهمية الاستراتيجية في نهاية الأسبوع الماضي.
وفي المقابل، تمكن بوتين من بث حياة جديدة في الجهد العسكري الروسي. فقد أقال الجنرالات ورؤساء المخابرات، وأحضر مجندين جدد ليعوضوا الخسائر الفادحة التي تكبدتها القوات الروسية في ساحة المعركة، كما نُقل الاقتصاد الروسي إلى حالة الحرب، حيث أصبحت موسكو تنفق الآن ما يقدر بنحو 7.5% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع.
ومع وجود ما يقدر بنحو 300 ألف جندي روسي متمركزين الآن في أوكرانيا، يبدو المزاج العام في الكرملين مزدهرا، حيث أشار ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق، إلى أنه بعد النجاحات الأخيرة التي حققتها القوات الروسية في منطقة دونيتسك المتنازع عليها بشدة، ربما سوف يسيرون قريباً نحو كييف.
من المؤكد أنه في غياب التعزيز المطلوب بشدة في الدعم العسكري لأوكرانيا، هناك احتمالات كبيرة بأن يتمكن بوتين من تحقيق أهدافه الرئيسية من "عمليته العسكرية الخاصة"، حتى لو استغرق الأمر وقتا أطول بكثير مما تصوره في الأصل.