بعد أعوام من الانتظار، تمكن أخيرا فيلم "الرحلة 404"، عن سيناريو محمد رجاء وإخراج هاني خليفة، من شق طريقه إلى الجمهور، وحقق في غضون أيام قليلة إيرادات مُرتفعة سواء في شباك التذاكر المصري أو السعودي. السيناريو الذي حصل صاحبه على جائزة ساويرس عام 2015 تحت عنوان "القاهرة – مكة"، أثار تحفظات الرقابة على المصنفات الفنية، الجهة التي تحمل تاريخا طويلا من التضييق على مبدعي السينما في مصر، وكان يمكن ألا يرى النور، لولا اتفاق ودّي مع الرقابة، تحوَّل الفيلم بموجبه إلى "الرحلة 404"، كما رأيناه على الشاشة.
منذ عُرِض العمل وهو يُثير الأسئلة وبالمثل محاولات الإجابة. بعد كل هذه السنوات من العُزلة التي فُرضت عليه، هل ما يزال الفيلم صالحا للعرض، مناسبا للسياق العام، أم صار فيلما قديما؟ ما شكل الاتفاق المُحتمل الذي توصل له صُناع العمل مع الرقابة؟ كيف كانت نسخة السيناريو القديمة، مقارنة بالنسخة الناجية، المعروضة حاليا؟
وبينما قد لا يكون مُجديا محاولة التنبؤ بما كان، أو ما كان ممكنا مقارنة بما هو كائن فعلا، إذ رفض المنتج المُشارك في الفيلم محمد حفظي، خلال حواراته التلفزيونية، تقديم إجابة قاطعة عن سؤال ما الذي اعترضت عليه الرقابة بالتحديد، كما تجنب اتهامها أو حتى إبداء الاستياء منها، وهو موقف مفهوم لا تنقصه الحكمة، فإن الأوضاع الاجتماعية والثقافية التي يتناولها الفيلم، لا تزال سائدة في وقتنا الحالي، وربما ستسود لزمن طويل آخر، مما يجعل موضوع الفيلم، إن ركزنا عليه بمعزل عن الأسلوب السينمائي قديم مُتجدد. من جانب آخر، قد يكون من حق الفيلم علينا، وحق صُناعه، لصبرهم الطويل ومثابرتهم، ألا نسألهم سوى عما بين أيدينا حقا، لا ما كانوا ينتوون تقديمه. لا سيما أن الفُرجة على الشريط الحالي، تخطفنا بما يكفي وتورطنا في أسئلة "الرحلة"، رحلة البطلة، سواء في بُعدها الحدثي المُباشر، أو في أبعادها الفلسفية المُتعددة.