مع حلول الذكرى الثانية لاندلاع الحرب الأوكرانية، يتأكد أنها تنتمي إلى فئة "الحروب التي لا تنتهي" وأن احتمالات الحسم أو الحل غير واردة على المدى القصير، وذلك في ظل تداخل الأبعاد السياسية والاقتصادية وتحول هذه المواجهة الدائرة إلى حرب استنزاف يغذيها صراع الكبار حول إعادة تشكيل النظام الدولي في زمن الاضطراب الاستراتيجي.
في هذا الإطار، لا بد من اقتفاء أثر الحرب الأوكرانية على الوضع في أوروبا خاصة بعد اتجاه الأمور في العام الماضي لصالح موسكو، ونتيجة السيناريوهات المتداولة عن احتمالات حرب جديدة ووجوب استعداد أوروبا لهجوم روسي. وتزايد القلق بعد تصريحات الرئيس الأميركي السابق وأبرز مرشحي السباق الرئاسي لهذا العام دونالد ترامب الذي هدد بعدم دفاع واشنطن عن أي بلد في حلف شمال الأطلسي من الدول المتخلفة عن احترام التزاماتها. ويأتي كل ذلك وسط مشهد سياسي أوروبي منهك على مسافة أربعة أشهر من الانتخابات التشريعية الأوروبية التي يمكن أن تشهد صعودا لليمين المتطرف المعارض لتحول الاتحاد إلى قطب جيوسياسي ودفاعي.
نظرت الأوساط الأوروبية إلى الهجوم الروسي على أوكرانيا كمؤشر على انتهاك القانون الدولي وانطلاق دورة جديدة من الحروب. وكذلك كان حافزا للاستنهاض العسكري الأوروبي خاصة مع ألمانيا وأسهم هذا الحدث بتوسيع حلف "الناتو" وتعزيز القيادة الأميركية على حساب الاستقلالية الأوروبية. ومما لا شك فيه أن أي تصعيد روسي أو عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض سيضعان أوروبا على المحك وسيمثل ذلك اختبارا جديا لحصانة القارة القديمة.
أوكرانيا واختبار استمرار الدعم
رزنامة فبراير/شباط حملت عدة مواعيد لافتة أبرزها اجتماع وزراء الدفاع في دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل (15 فبراير) والدورة الواحدة والستين من مؤتمر ميونيخ للأمن (16-18 فبراير) ودخول الحرب الأوكرانية عامها الثالث في 24 فبراير. ويطغى شبح "الخطر الروسي" والتغييرات العالمية على أجندة الأوروبيين.
خلال هذه السنة الانتخابية الأميركية، يسود من كييف إلى العواصم الأوروبية المعنية هاجس شح المساعدات الأميركية لأوكرانيا وتوقف أي مساعدات إضافية (وفق إحصاء دقيق بلغت المساعدات الأميركية العسكرية 42.2 مليار دولار بين فبراير 2022 وديسمبر 2023. وبلغت المساعدات الأوروبية العسكرية 35.2 مليار يورو من أصل 49.7 مليار يورو).
وسيكون من الصعب جدا أن يتمكن الجهد الأوروبي من التعويض عن الزخم الأميركي. لذا سيتركز العمل على تحمل المسؤولية لمنع الانهيار الأوكراني خلال الفترة الانتقالية الأميركية.
وتأتي الذكرى الثانية للحرب الأوكرانية مع تحول ميزان القوى على الأرض. إذ لا يقتصر الأمر على فشل الهجوم الأوكراني المضاد الذي انطلق في بداية صيف عام 2023، بل تعاني قوات كييف الآن من نقص الذخيرة وخاصة قذائف مدفعية الميدان ما ينعكس سلبا على قوتها. وتأكد التراجع مع سقوط بلدة أفدييفكا، الواقعة شمال دونيتسك التي شهدت معركة شرسة منذ الخريف الماضي وتخطت بعنفها معارك باخموت.
ومن الأسباب التي أدت إلى التراجع الأوكراني الأخير الشح في المساعدات العسكرية الأميركية بعد تحولها إلى مادة سجال بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة. ويزيد ذلك من خشية الأوكرانيين أن يكون عام 2024 صعبا للغاية. ومن هنا تنبري أوروبا عبر عقد اتفاقات أمنية ومساعدات مالية ضخمة وتسليم أسلحة في محاولة إنقاذ فولوديمير زيلينسكي.
في هذا السياق، أتت جولة الرئيس الأوكراني الأخيرة في برلين وباريس من أجل تعزيز دعم الدول الأوروبية وعقد اتفاقات أمنية مع ألمانيا وفرنسا، بعد الاتفاق الموقع مع المملكة المتحدة.