قائمة "بوكر" القصيرة: اختلاف وتنوّع وفلسطين في الصدارةhttps://www.majalla.com/node/311286/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9-%D8%A8%D9%88%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%81-%D9%88%D8%AA%D9%86%D9%88%D9%91%D8%B9-%D9%88%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9
في مؤتمر صحفي عقد بمقر هيئة الأدب والنشر والترجمة بالرياض في الرابع عشر من فبراير/ شباط أعلنت لجنة الجائزة العامة للرواية العربية (المعروفة بالبوكر العربية) برئاسة الروائي السوري نبيل سليمان، القائمة القصيرة للروايات المؤهلة للفوز بالجائزة لهذا العام، والتي توزعت على خمسة بلدان عربية، جاء في مقدمتها فلسطين بروايتين "سماء القدس السابعة" لأسامة العيسة، و"قناع بلون السماء" لباسم خندقجي، ومن السعودية رجاء عالم بروايتها "باهبل مكة 2009"، ومن سوريا رواية "خاتم سليمى" لريما بالي، ومن مصر "مقامرة على شرف الليدي ميتسي" لأحمد المرسي، ومن المغرب "الفسيفسائي" لعيسى الناصري.
تجدر الإشارة إلى أنها المرة الأولى في تاريخ الجائزة التي يرشح فيها أسير فلسطيني في سجون الاحتلال وهو باسم خندقجي، وأن تصل أيضا روايتان من فلسطين في القائمة القصيرة، وهي المرة الثانية التي تصل فيها رواية لرجاء عالم، حيث حازت روايتها "طوق الحمام" على الجائزة عام 2011 مناصفة مع الروائي المغربي محمد الأشعري، وهي المرة الأولى التي يصل فيها بقية المرشحين إلى القائمة القصيرة للجائزة.
تضم الجائزة أعضاء لجنة التحكيم الروائي السوداني حمور زيادة، والكاتبة والأكاديمية الفلسطينية سونيا نمر، والناقد المصري محمد شعير، بالإضافة إلى الأكاديمي فرانتيشيك أوندراش من جمهورية التشيك، وقد أشار المحكمون في الكلمة التي ألقاها ياسر سليمان رئيس مجلس أمناء الجائزة إلى أن روايات هذه الدورة جاءت لتكرس حضور عدد من المدن العربية كما هي في خيالنا بطريقة سردية مختلفة تجمع بين الواقعي والتاريخي من القدس إلى حلب ومكة وصولا إلى القاهرة والمغرب العربي.
هذه المرة الأولى في تاريخ الجائزة التي يرشح فيها أسير فلسطيني في سجون الاحتلال وهو باسم خندقجي
قناع بلون السماء: السعي للحرية
تعد تجربة الأسير الفلسطيني باسم خندقجي بصفةٍ عامة شديدة الخصوصية، إذ أنه اعتقل من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية قبل نحو 20 عاما، لكن ذلك لم يعطله عن الكتابة الأدبية سواء شعرا أو رواية، فأصدر خلال فترة اعتقاله ديواني شعر وأربع روايات، ولم يكن من الكتاب الذين يهتمون بتسجيل وقائع السجن والأسر والكتابة في أدب السجون، بل امتلك خيالا محلقا جعله يكتب عددا من الروايات المختلفة كان منها "خسوف بدر الدين" التي تتحدث عن قطبٍ صوفي يتمرد على الفساد وعلى وعاظ السلاطين.
في روايته الأحدث "قناع بلون السماء" يتناول سيرة بطل روايته الشاب نور الذي يدرس الآثار الفلسطينية ويهتم بتوثيقها والبحث فيها، والذي يتعرض لموقف غريب يقوده إلى تغيير هويته إلى الهوية الإسرائيلية الزرقاء ليتحول إلى شخصية أخرى هي "أور" اليهودي ويسعى من خلالها للكشف عن عقلية الصهاينة وتعاملهم ومحاولاتهم الدؤوبة لطمس هوية فلسطين بعد احتلال الأرض وقتل أصحابها.
وهكذا يقدم خندقجي حكاية بطله نور بين هويتين متصارعتين، يسعى من خلالها إلى إثبات الحق الفلسطيني من خلال السعي دوما نحو النور والحرية، كما يشير من جهة أخرى ومن خلال بحث نور عن أصول "مريم المجدلية" عن تاريخ قرية "اللجون" الفلسطينية التي يعود تاريخها إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وهو بذلك إنما يشير بوضوح إلى أصول أرض فلسطين العربية طويلة المدى، كما يكشف عن وجه المعتدي المغتصب الذي يريد أن يقضي على تاريخ الأرض وآثارها كما يقضي على مظاهر الحياة فيها، كل ذلك عبر سرد محكم وتمثل لشخصيات العمل التي انتقل فيها بين الفلسطيني واليهودي وعبر عن كلٍ منهما بشكل متقن.
سماء القدس السابعة: الجذور التاريخية للمدينة
يعود أسامة العيسة في روايته إلى تاريخ القدس وما مر عليها من غزاة ومحتلين ومستعمرين، وكيف برعت كل مرة وواجهت في كل حرب من حروبها وكل معركة من معاركها الكثير من الجنود والتحديات والصراعات، وكيف بقيت مخلصة وفية لأهلها وسكانها، يقسم الكاتب الرواية أسفارا ثلاثة هي "سفر الحياة" و "سفر الحياة والحزن" و"سفر البقاء والحزن والحياة" وكأنه يؤسس في كل سفرٍ على الذي يليه ويجمع بين الأسفار الثلاثة تلك الرحلة الصعبة للإنسان داخل المدينة، لاسيما إذا كانت مدينة كالقدس تحوي ذلك التاريخ والصراع بين المستعمرين والغزاة وبين أصحاب الأرض.
يركز العيسة على الاحتلال الإسرائيلي وممارساته في طمس الهوية كذلك ومواجهة هذا العدو الوحشي بشتى الطرق
في "سفر الحياة" يؤسّس العيسة لحياة أبطال روايته بين شامان وكافل والسبع الذي يعاني من العجز الجنسي، وتأتي الحكايات للطفل كافل ليتعرف على تفاصيل أماكن القدس وتاريخها النضالي ضد المستعمرين من أيام الكنعانيين مرورا بالإنكليز وحتى الاحتلال الإسرائيلي في العصر الحاضر. يتناول الكاتب بالتفصيل عددا كبيرا من أحياء القدس ومساجدها ومبانيها، وكأنه بصدد توثيق تاريخي مفصل للمدينة ليس فقط للمباني والآثار، بل كذلك لعادات سكانها وتقاليدهم، وكيف كانت القدس وبقيت مدينة تحتضن كل الأديانات والأعراق بلا تفرقة أو تعصب. في السفر الثاني يركز على الاحتلال الإسرائيلي وممارساته في طمس الهوية كذلك ومواجهة هذا العدو الوحشي بشتى الطرق، حتى يصل بنا الكاتب إلى الفصل/السفر الأخير الذي يعد نداء من الكاتب والراوي إلى القراء والعالم كله لحماية هذه المدينة المقدسة، ودعوة للتعرف على القدس بشكل حقيقي ومتكامل.
خاتم سليمى: الشرق والغرب مرة أخرى
إلىى حلب الشهباء تأخذنا الروائية السورية ريما بالي في روايتها "خاتم سليمى"، وذلك من خلال حكاية بطلتها سلمى العطار الفتاة السورية المشبعة بتراث البلاد وعالمها ولكنها تقع في علاقة حب بالموسيقيالإيطالي الذي أسلم وأصبح متصوفا وسمى نفسه "شمس الدين"، وعلى الرغم من فارق السن الكبير بينهما إلا أنها تتعلق به، وفي المقابل يحبها لوكاس المصور الإسباني الذي يحمل جذورا يهودية تقف عائقا بينها وبينه، في حين تخلص له عارضة الأزياء وزوجته لولا حتى النهاية.
تمضي ريما بالي عميقا في تاريخ مدينة حلب حتى تتورط الكاتبة وأبطالها في حكاية الحرب
تعتبر قصص الحب تلك إطارا عاما لرواية "خاتم سليمى" التي تمضي عميقا في تاريخ مدينة حلب، وعادات أهلها وثقافتهم، حتى تتورط الكاتبة وأبطالها في حكاية الحرب التي تغيّر شكل المدينة معالمها وشخصياتها، وتعكس عددا من الأفكار والصراعات التي تمور في سوريا في تلك الفترة الحرجة، منتقلة بالتوازي مع ذلك بين أفكار التصوف والحب، وعلاقتنا بأنفسنا وبالآخر، وذلك الصراع المكتوم حينا والواضح أحيانا بين الشرق والغرب لاسيما بين فئات اجتماعية وثقافية يمكن أن تتقارب بسهولة.
استطاعت ريما بالي أن تنسج خيوط روايتها بإحكام، وأن تنتقل بين أبطال عالمها من الشرق والغرب، لتطرح من خلال الرواية عددا من الأسئلة الهامة، حول معرفتنا بالآخر وعلاقتنا به كيف تتشكل وتتطور، كما تطرح عددا من أفكار الصوفية، مازجة كل ذلك بعالم من الأساطير والفانتازيا المتعلقة بالخاتم الذي يجعل صاحبه يعرف المجهول، وهنا تطرح سؤال المعرفة من جديد، وهل نحتاج إليها، أم أن الجهل أحيانا يكون أفضل؟
باهبل مكة 2009: تحولات المدينة المقدسة
إلى مكة تأخذنا الروائية السعودية رجاء عالم، بعد فترة توقف طويلة، منذ حازت جائزة البوكر عن روايتها "طوق الحمام" 2011، في تجربة جديدة مختلفة كثيرا عن تجاربها السابقة، إذ تغوص داخل مجتمع مكة لترصد التغيرات والتحولات التي شهدتها المدينة في العقود الأخيرة، وذلك من خلال عائلة "السردار" الحجازية التي نتعرف عليها في الرواية، وهي عائلة ذات سطوة وهيبة وعراقة، يظهر فيها منذ البداية سيطرة رب العائلة مصطفى السردار على مصائر وحياة أفراد عائلته كلهم رجالا ونساء كبارا وصغارا، فهو صاحب الرأي والكلمة التي لا تقبل النقاش.
تغوص رجاء عالم داخل مجتمع مكة لترصد التغيرات والتحولات التي شهدتها المدينة في العقود الأخيرة
نتعرف على حياة تلك الأسرة وكيف كان يعيش أفرادها وفقا للسيطرة المطلقة لذلك السيد، فيما تنتقل الكاتبة إلى رصد وتحليل عدد من المتغيرات التي بدأت تطرأ على البيئة والمجتمع الحجازي في فترة الرواية التي تدور بين 1945 وحتى 2009، وتضع القارئ خلال تلك الرواية ومن خلال تحولات الأجيال المختلفة إلى ذلك التحول الملحوظ ومحاولات أفراد الأسرة جميعا للبحث عن الخلاص، ورغم سيطرة الرجل على أفراد العائلة إلا أن الكاتبة تنتصر للنساء في الرواية وتمنح لكل واحدةٍ منهن صوتها لكي تعبّر عن نفسها وآلامها وآمالها، ونتعرف من خلالها على وضع المرأة السعودية والحجازية والتغيرات التي طرأت خلال تلك الأعوام الفارقة في المجتمع السعودي بشكل عام، كما تعرض خلال الرواية عددا من المنعطفات التاريخية التي شهدتها مكة وأثرت على المجتمع السعودي وعائلة السردار، مثل حادثة اقتحام جهيمان للحرم المكي عام 1979، وإنشاء عدد من القصور والأماكن الترفيهية في مكة في تسعينات القرن الماضي وكيف أثرت على الانفتاح في المجتمع السعودي، حتى تصل إلى العصر الحالي ومحاولة الحفيد تصوير فيلم وثائقي عن عائلته باستخدام التكتنولوجيا والتقنيات الحديثة.
الفسيفسائي: روايات مختلفة عن المغرب
يدخلنا المغربي عيسى ناصري، في روايته إلى ثلاث روايات متوازية، في تجربة سردية مختلفة. في الأولى حكاية أرديانا نويل التي تأتي للمغرب لكي تتبع لوحة فسيفساء سرقت من موقع أثري ، وما إن تصل المغرب حتى تربطها علاقة حب بجواد الذي يكتب حكاية أخرى. الرواية الثانية عن "الفتى الموري" الذي يعود فيها إلى زمن الاحتلال الروماني للمغرب (في القرن الثاني الميلادي)، أما الرواية الثالثة فهي مذكرات الطبيبة النفسية نوال حول اثنين من مرضاها، تهامي وإسماعيل، ونكتشف أن أحدهما قد سرق تمثالا من موقع ويلي الأثري.
يقدم عيسى ناصري ثلاث حكايات متوزاية، ينتقل فيها إلى عرض المجتمع المغربي وتصويره بطبقاته المختلفة
ثلاث حكايات متوزاية، ينتقل فيها الكاتب إلى عرض المجتمع المغربي وتصويره بطبقاته المختلفة، وما فيه من ثراء وتعدد، كما يعرفنا على أطراف من حكاية مدينة "ويلي" المغربية وسكانها من المور وكيف كانت حياتهم وعلاقتهم بالمحتلين وتعاملهم مع الشعوب المختلفة، كل ذلك يأتي بخلفية بوليسية، تضم أجزاء الرواية وتجعلها أكثر تشويقا، وتجعل القارئ شغوفا بمواصلة قراءتها والتعرف على ذلك العالم الغريب كليا. ينتقل السارد بين أكثر من راوٍ ويمنح لكل شخصية صوتها وتفردها لتعبّر عن نفسها وعلاقتها ببقية الشخصيات، في نسيج محكم يشبه الفسيفساء في اختلافه وتكوينه مجتمعا للوحة متميزة.
استطاع عيسى ناصري أن ينسج خيوط عالمه الروائي باقتدار، وأن يقدم رواية متماسكة تخلو تقريبا من ثغرات الكتابة الأولى، على الرغم من كونها روايته الأولى، سبقها عدد من المجموعات القصصية، كما استطاع من خلالها أن يقدم صورة مختلفة للمجتمع المغربي بطبقاته وفئاته المختلفة، متنقلا بين الزمان والمكان والشخصيات ببساطة تحسب له.
الليدي ميتسي: الرهان على الحلم
إلى قاهرة عشرينات القرن الماضي يأخذنا أحمد المرسي في روايته "مقامرة على شرف الليدي ميتسي" التي يحكي فيها قصة فوزان الطحان منذ طفولته وحتى شبابه وعلاقته الطويلة بالخيول، وما ستجلبه له من معارف وما ستفتح له من عالم يتعرف فيه على الباشوات أمثال سليم حقي والسيدة الإنكليزية ميتسي، والفتوات مثل مرعي المصري أحد خبراء الرهان على الخيول في ذلك الزمان.
استطاع أحمد المرسي أن يتمثل شخصيات عالمه بدقة، وأن يعبّر عن القاهرة في ذلك الزمن البعيد
من فكرة تبدو هاجسا للإنسان في كل وقت ومكان، هل يمكن أن يحقق حلمه الذي ظل يراوده طويلا؟ ومن خلال الرهان على سباقات الخيول، التي يمكن أن تغيّر الحال من فقر إلى غنى، وتغيّر من مصائر الأبطال، تدور أحداث الرواية، وندور معها في أحلام شخصيات الرواية، حيث كل واحد منهم يحمل حلمه على عاتقه، وقد أثقله طويلا وآن الأوان لكي يراهن على خيلٍ في سباق، سواء كان ذلك واقعيا من خلال سباق الخيول الذي كان يقام في القاهرة أنذاك، أم من خلال الاستعانة بأشخاصِ آخرين يحققون له حلمه ويغيرون من واقعه المؤلم.
— International Prize for Arabic Fiction (@Arabic_Fiction) February 14, 2024
استطاع المرسي أن يتمثل شخصيات عالمه بدقة، وأن يعبّر عن القاهرة في ذلك الزمن البعيد، ساردا ذلك الصراع الذي كان يدور بين الباشاوات والأفندية، وبين الخواجات الإنكليز الذين يشعرون أنهم يمتلكون كل شيء وبإمكانهم تحقيق ما يريدون، وفي الخلفية أحلام البسطاء متمثلة في مرعي المصري وفوزان الطحان وغيرهما ممثلة بصدق شرائح المجتمع على اختلافها وتباينها، ليقدم المرسي عملا روائيا محكما يلتمس من التاريخ بعض آثاره ولكنه يقفز إلى الواقع بآلامه وأحلامه.
هكذا تنوعت روايات القائمة القصيرة واختلفت مواضيعها في هذه الدورة بين التاريخ والجغرافيا وبين الأفكار المجردة العامة ومحاولة عرض المجتمع وتصويره في فترات زمنية مختلفة. تجدر الإشارة إلى أن كل مرشح بالقائمة القصيرة يحصل على عشرة آلاف دولار فيما ينال الفائز 50 ألف دولار إضافية عند إعلان الرواية الفائزة وذلك في العاصمة الإماراتية أبوظبي في 28 أبريل/ نيسانالمقبل.