منذ نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، تصاعدت وتكررت التصريحات الإسرائيلية من السياسيين والعسكريين، بشأن نية الجيش الإسرائيلي التحضير لعملية اجتياح بري لمدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، وهي المدينة التي تشترك مع مصر بحدود طولها قرابة 14 كيلومترا. وجاءت التهديدات في الوقت الذي تستقبل فيه المدينة أكثر من مليون و400 ألف نازح جاءوا قسرا من مختلف مدن ومخيمات القطاع على مدار 5 أشهر من الحرب الإسرائيلية المستمرة والتي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
تكرار التصريحات والتهديدات الإسرائيلية حول ما يعده الجيش الإسرائيلي لرفح، تزامن مع عملية عسكرية برية واسعة على مدينة خانيونس المجاورة لرفح، ما أدى إلى بث الخوف لدى بعض العائلات النازحة، وحملها على اتخاذ قرار الانتقال إلى المنطقة الغربية وسط قطاع غزة كخطوة استباقية... يقول فتحي أبو شلوف النازح مع أسرته منذ شهرين إلى غرب رفح: "لن أنتظر أن تقتل إسرائيل أبنائي. يكفي ما عاشوه خلال نزوحنا من شمال القطاع سابقا تحت القصف العنيف".
لم يمضِ يومان على مغادرة أبو شلوف غرب مدينة رفح، حتى شن الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية قصيرة لكنها أحدثت حالة من الرعب والارتباك الكبير بين الغزيين، حيث هاجمت إسرائيل عددا من الأهداف في حي الشابورة شمال غربي رفح وبشكل مفاجئ. وبدأت بقصف عنيف على عدة أهداف، وإطلاق نار كثيف. اعتقد المواطنون لحظتها أن العملية البرية قد بدأت، إلا أنه اتضح فيما بعد أن الجيش الإسرائيلي هاجم أحد المنازل التي قال إنه حرر من داخله محتجزين إسرائيليين ونقلهما إلى إسرائيل.
من القصف الى الإجتياح
صباح 12 فبراير/شباط الحالي، وبعد ليلة عنيفة أدت إلى مقتل أكثر من 100 فلسطيني في رفح وإصابة العشرات، قرر نازحون الانتقال وترك رفح التي ينتظرها الموت كما قالت فاطمة الحلبي. وتابعت: "إذا كانت عملية تحرير رهينتين أدت إلى قتل 100 إنسان، فماذا إذا بدأت عملية الاجتياح؟ كانت أكثر ليلة مرعبة بالنسبة لنا ولأطفالنا، وصحيح أننا نعلم أن كافة مناطق قطاع غزة كانت وما زالت معرضة للقصف لكننا لم نعد نشعر بالأمان أو الراحة هنا في رفح، سنذهب للمنطقة الوسطى فلا خيارات أمامنا".
وفي الوقت الذي يفكر فيه النازحون في كيفية حماية أنفسهم وأبنائهم، على ما يبدو، يُعد صناع القرار في إسرائيل خططا لإنهاء الحرب على قطاع غزة والتي تشتمل على مهاجمة مدينة رفح قبل إنهاء الحرب، وفي الوقت الذي تجري فيه مفاوضات بالتوازي مع حركة "حماس" بإشراف مصر وقطر والولايات المتحدة، بهدف الوصول لاتفاق من شأنه إبرام صفقة تبادل أسرى ومحتجزين. وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فإن أولى الخطط التي يعمل عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومبعوثه إلى الولايات المتحدة وزير الشؤون الاستراتيجية وعضو مجلس الحرب كذلك رون ديرمر، وأما الثانية فهي خطة الوزيرين في مجلس الحرب، رئيسي الأركان السابقين بيني غانتس، وغادي آيزنكوت.
وتقول الصحيفة إنه لا فرق كبيرا بين الخطتين سوى الجداول الزمنية، واستعداد الأخيرين للكشف عن خطتهما ومناقشتها في مجلس الوزراء على عكس نتنياهو الذي يخشى من رد فعل شركائه في الائتلاف الحكومي. لذلك يكتفي بالتفاوض سرا حولها مع كبار المسؤولين بإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، من خلال ديرمر. أما عن الخطة التي اقترحها غانتس وآيزنكوت على مراحل بحيث توافق إسرائيل على هدنة طويلة نسبيا لغرض عقد صفقة تبادل رهائن، ثم تستأنف القتال من أجل مواصلة تفكيك قدرات حركة "حماس" العسكرية والحكومية.
وعلى ما يبدو فإن الهجوم البري الإسرائيلي على مدينة رفح المكتظة بالغزيين والتي لا تتجاوز مساحتها 55 كيلومترا مربعا، بات مسألة وقت بعد أن صادق الجيش الإسرائيلي على خطة عملياتية، بحسب هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، لكن المعضلة الحقيقية أمام قرار البدء هي اكتظاظ المدينة بالسكان والنازحين، حيث يضغط نتنياهو على رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي من أجل استكمال تفكيك قدرات حماس العسكرية في خانيونس والبدء في الاستيلاء على رفح. لكن مشكلة نتنياهو أن هاليفي لا يزال يحتاج إلى وقت لإنهاء العمل في خانيونس، وبضعة أسابيع أخرى لتنفيذ خطة إخلاء رفح قبل الهجوم.