في الحادي عشر من شهر يناير/كانون الثاني 1958، توجه أربعة عشر ضابطا سوريا إلى القاهرة، يقودهم رئيس الأركان اللواء عفيف البزري، والملحق العسكري المصري في دمشق عبد المحسن أبو النور. سافروا بلباسهم العسكري في عتمة الليل، دون جوازات سفر، ودون إعلام قيادتهم السياسية، طالبين لقاء الرئيس جمال عبد الناصر لإقامة وحدة فورية بين سوريا ومصر. جميعهم كانوا معجبين بالرئيس المصري، يرون فيه بطلا قوميا لا مثيل له في التاريخ الحديث، إبان سلسلة من النجاحات المدوية في مسيرته، بدءا من انقلابه على الملك فاروق سنة 1952، وصولا إلى تأميم قناة السويس، ورد العدوان الثلاثي عن مصر عام 1956.
ظن الضباط السوريون أن عبد الناصر قادر على تصحيح كل الأخطاء في الوطن العربي، وقد وعد بتحرير المنطقة من الاحتلال الأجنبي، والقضاء على دولة إسرائيل، وتوحيد العرب في دولة واحدة. جميع الضباط كانوا في منتصف العقد الثالث من العمر، وكان البزري أرفعهم رتبة، وأكبرهم سنا. جميعهم خاضوا حرب فلسطين الأولى، وعادوا من الجبهات مقهورين ناقمين على قيادتهم السياسية، ومعظمهم كان قد شارك في الانقلابات العسكرية التي شهدتها سوريا منذ سنة 1949.
عندما أبدى أحدهم تخوفه من السفر دون استئذان القيادة السياسية قال له البزري بحزم: "لا يمكننا التراجع الآن. أمامكم طريقان، أحدهما إلى القاهرة، والثاني إلى (سجن) المزة".
"ليست لدينا أية شروط"
أبرق عبد المحسن أبو النور إلى القاهرة بموعد وصول الطائرة السورية، وضرورة عدم اعتراضها، ووصل مع صحبه إلى مطار ألماظة شمال شرقي القاهرة في الساعة السادسة صباحا. قيل لهم إن عبد الناصر "مشغول" مع ضيفه الرئيس الإندونيسي أحمد سوكارنو، وانتظروا ثلاثة أيام لمقابلته، ليلة 14-15 يناير 1958. تحدث اللواء البزري أولا، داعيا إلى توحيد البلدين بجيش واحد، ورئيس واحد، وعاصمة واحدة. وبعد الإصغاء له، سأله الرئيس المصري: "هل لديكم موافقة من رئيسكم؟".