فورة كبرى لمصانع الرقائق الإلكترونية في أميركا وخارجهاhttps://www.majalla.com/node/311051/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D9%81%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%83%D8%A8%D8%B1%D9%89-%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%A7%D9%86%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D9%88%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%87%D8%A7
"قبل عشرات السنين، كانت الولايات المتحدة تنتج ما يقرب من 40 في المئة من الشرائح الإلكترونية في العالم. أما الآن، فإنها تنتج 12 في المئة فحسب. ونحن نسعى لتغيير ذلك من طريق قانون تحفيز إنتاج أشباه الموصلات والعلوم".
استشهدت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو، مرات عدة في العامين الماضيين، بهذا الإحصاء، كأنه شعار متكرر. فقد نشرت على موقع "إكس" في الشهر الماضي، مرددة منشورات مماثلة في يوليو/تموز 2023، ومايو/أيار 2023، ونوفمبر/تشرين الثاني 2022،
هذا القانون، الذي أقر في أغسطس/آب 2022، هو من التشريعات المميزة لإدارة بايدن، إذ يخصص ما يقرب من 53 مليار دولار من الإعانات والاستثمارات لإقناع شركات شرائح أشباه الموصلات بنقل مصانعها إلى الولايات المتحدة. وهو بمثابة جزرة لأكبر الشركات في الصناعة، بغية تحقيق التوازن مع عصا ضوابط التصدير الأكثر صرامة التي تمنع العديد منها من بيع منتجاتها إلى الصين.
شهدنا نوعا من الانعطاف الجوهري إذ يقول الصناعيون العالميون، ليس ذلك مناهضا للصين، ولكننا بحاجة إلى بناء القدرة على الصمود، ولا يمكننا أن نتهاون في الاعتماد على دولة واحدة، أو حتى منطقة واحدة
بروس أندروز، نائب رئيس شركة "إنتل"
إن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين هي الدافع وراء كثير من ذلك. فاحتواء التقدم التكنولوجي الصيني ــ وخصوصا في أشباه الموصلات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تدعمها ــ من أولى أولويات سياسة إدارة بايدن.
لكن المنافسة مع الصين تسرع عملية انتقال جارية بالفعل فحسب، أشعل شرارتها نقص أشباه الموصلات خلال جائحة "كوفيد-19". وقال بروس أندروز، نائب رئيس شركة "إنتل" وكبير موظفي الشؤون الحكومية، الذي شغل سابقا منصب نائب وزير التجارة في إدارة أوباما: "شهدنا نوعا من الانعطاف الجوهري إذ قال الصناعيون العالميون،[ليس ذلك مناهضا للصين، ولكننا بحاجة إلى بناء القدرة على الصمود، ولا يمكننا أن نتهاون في الاعتماد على دولة واحدة، أو حتى منطقة واحدة]".
استجابت الشركات لهذه الدعوة بحماسة. فقد أعلن 70 مشروعا جديدا على الأقل منذ إدخال قانون تحفيز انتاج أشباه الموصلات والعلوم في سنة 2020، تبلغ استثماراتها الإجمالية المخططة 220 مليار دولار، وفقا للأرقام الصادرة عن رابطة صناعة أشباه الموصلات.
لكن بدأت تظهر بعض التباطوء بعد مرور نحو أربع سنوات. فقد أفيد أن بعض المشاريع البارزة - بما في ذلك مجمع جديد بقيمة 40 مليار دولار في أريزونا لشركة "تايوان" لصناعة أشباه الموصلات الرائدة في الصناعة، وتوسعة بقيمة 20 مليار دولار في أوهايو لشركة "إنتل" - قد تأخرت بسبب مزيج من نقص القوى العاملة وتباطؤ الطلب في السوق، والمفاوضات المطولة لتمويل قانون تحفيز إنتاج أشباه الموصلات، الذي قالت ريموندو إن من المنتظر أن تصدره إدارة بايدن في الأسابيع المقبلة.
مصانع على التراب الأميركي... وخارجه
لكن الولايات المتحدة ليست الخيار الوحيد المتوافر. فلدى الاتحاد الأوروبي قانونه للشرائح الإلكترونية، بتمويل متاح يزيد على 46 مليار دولار؛ وتعتزم اليابان توزيع 13 مليار دولار على شكل إعانات لصناعة أشباه الموصلات، وأطلقت الهند "مهمة أشباه الموصلات" في محاولة لإنشاء منظومة خاصة بها لصناعة الشرائح الإلكترونية.
كل ذلك مدفوع بالتحركات الجيوسياسية، ومنعتنا الحكومة الهولندية من بيع بعض الآلات إلى الصين
بيتر ونينك، الرئيس التنفيذي لشركة "أيه. إس. إم. أل." الهولندية
وفي عرض إيضاحي حديث عن الإيرادات، قال بيتر ونينك، الرئيس التنفيذي لشركة "أيه. إس. إم. أل." الهولندية التي تصنع معدات أشباه الموصلات، "كل ذلك مدفوع بالتحركات الجيوسياسية". فهذه تصنع آلات الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية التي لا يستغنى عنها لإنتاج الشرائح الإلكترونية الأكثر تقدما، وقد منعتها الحكومة الهولندية من بيع بعض الآلات إلى الصين. لكن ونينك يقدر بأن الشركة ستشهد دفعة إلى الأمام من أكثر من 20 مصنعا جديدا لأشباه الموصلات تبنى في أماكن أخرى من العالم. "إننا نتطلع إلى سنتي 2024-25 بوصفهما فترة انتقالية إلى مجالات جديدة للنمو".
ثمة كثير من الشركات التي تبني مصانع أشباه الموصلات على التراب الأميركي وفي أماكن أخرى أيضا. وهكذا تنشئ شركة "تايوان" لصناعة أشباه الموصلات، التي تستأثر بإنتاج 90 في المئة من الشرائح الأكثر تقدما في العالم، مصانع جديدة في ألمانيا واليابان بالإضافة إلى استثماراتها في أريزونا. كما أن شركة "سامسونغ"، التي تبني مصنعا جديدا للشرائح الإلكترونية بقيمة 17 مليار دولار في تكساس، ينتظر أن يبدأ عملياته في السنة الجارية، تنفق أضعاف هذا المبلغ لتوسعة تصنيع أشباه الموصلات في موطنها كوريا الجنوبية.
وكانت شركة "ميكرون تكنولوجي" التي يوجد مقرها في أيداهو، من مشجعي العلاقات التكنولوجية بين الهند والولايات المتحدة خلال الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لواشنطن في السنة الماضية، بإعلانها إقامة منشأة جديدة للشرائح الإلكترونية في الهند بتكلفة تبلغ نحو 3 مليارات دولار. ووسعت الشركة أيضا قدراتها التصنيعية الحالية في اليابان بدعم مالي من الحكومة اليابانية.
وأبلغ مانيش بهاتيا، نائب الرئيس التنفيذي للعمليات العالمية في شركة "ميكرون"، مجلة "فورين بوليسي" في مقابلة معه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، "كانت الهند في الواقع تريد التوفيق بين احتياجاتها الطويلة الأمد للأعمال وفرصة مهمة في اقتصاد حيوي نام، ومجال تبدي فيه الحكومة استعداداً للاستثمار بحوافز كبيرة".
وأضاف أن "كل الدول بدأت ترفع مستوى تركيزها ومستوى دعمها"، لأنها ترى أن "أشباه الموصلات مهمة لاستمرار إمداد اقتصاداتها بها".
السبب الرئيس لحضورنا في أوروبا هو عدم وجود أي صناعة متقدمة لأشباه الموصلات في أوروبا. وكل قارة ترغب في أن يكون لديها مركز خاص بها
بروس أندروز، نائب رئيس شركة "إنتل"
حوافز لسد فجوة التكلفة الصناعية
أما بالنسبة إلى الشركات، فإن ذلك يعني مجموعة متنوعة من الإعانات لأشباه الموصلات. وقال أندروز، "عليك أن تقدم الحوافز إذا أردت أن يكون لديك مصانع لأشباه الموصلات في قارتك أو بلدك، كما يتعين عليك أن تسد فجوة التكلفة ليتمكن المصنع من المنافسة عالميا. لذا أعتقد أن ما تراه في قانون تحفيز إنتاج أشباه الموصلات الإلكترونية وقانون الاتحاد الأوروبي للشرائح الإلكترونية هو أن الأوروبيين والأميركيين يقولون أخيرا إننا جادون في هذا الشأن، والطريقة الوحيدة لنصبح قادرين على المنافسة هي الانخراط في الممارسات نفسها، وإلا لن تتمكن البتة من إعادة تلك الصناعة إلى بلادك".
شهدت "إنتل" فورة توسع في أوروبا، حيث بدأت الإنتاج في مصنع جديد في أيرلندا في السنة الماضية وأعلنت إقامة مصنع آخر في بولندا، إلى جانب استثمار بقيمة 33 مليار دولار في ألمانيا. وقال أندروز: "السبب الرئيس لحضورنا في أوروبا هو عدم وجود أي صناعة متقدمة لأشباه الموصلات في أوروبا". وأضاف أن الشركة أدركت في أعقاب كوفيد، "أن كل قارة سترغب في أن يكون لديها مركز خاص بها".
على الرغم من رغبة الولايات المتحدة في السيطرة على صناعة أشباه الموصلات مرة أخرى، فإنها تنشط في تشجيع حلفائها وشركائها على تعزيز قدراتهم، بل تمكنهم من ذلك في بعض الحالات. ويدور كثير من المناقشات في شأن المجلس الأميركي الأوروبي للتجارة والتكنولوجيا، الذي اجتمع في واشنطن في أواخر الشهر الماضي، حول مواءمة تلك الحوافز وتفادي التسابق على تقديم الإعانات الذي قد يكون مضرا.
وقالت ريموندو في نشاط على هامش اجتماعات المجلس الأميركي الأوروبي للتجارة والتكنولوجيا في الشهر الماضي، "علينا أن نعمل معا، وألا ينافس بعضنا بعضا. لا يمكننا أن نسمح للشركات بأن تدفعنا إلى التنافس والاختلاف في ما بيننا".
ورددت نظيرة ريموندو، مارغريت فيستاغر، نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية لشؤون المنافسة والاقتصاد الرقمي، تلك المشاعر، وأبلغت الجمهور في ندوة لمركز أبحاث في واشنطن عقدت في اليوم التالي أن الهدف هو أن تستأثر الولايات المتحدة وأوروبا معاً بنحو 50 في المئة من إنتاج أشباه الموصلات في العالم.
وقالت، "هذا ليس عملاً حمائيا، ولا محاولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي. إنه يهدف إلى امتلاك وزن أقوى بكثير في المنظومة العالمية لأشباه الموصلات".
خصص 500 مليون دولار من تمويل "قانون تحفيز الرقائق" الأميركي لتمويل توسع مصانع أشباه الموصلات في سبع دول، منها فيتنام والفيليبين وإندونيسيا وكوستاريكا وبنما
قانون تحفيز مصانع الرقائق في دول أخرى
وتتطلع إدارة بايدن أيضا إلى أبعد من ذلك - فقد خُصص 500 مليون دولار من تمويل "قانون تحفيز انتاج الرقائق" لوزارة الخارجية لتمويل توسع مصانع أشباه الموصلات في سبع دول، منها فيتنام والفيليبين وإندونيسيا وكوستاريكا وبنما. وأبلغ وكيل وزارة الخارجية للنمو الاقتصادي والطاقة والبيئة خوسيه فرنانديز، الصحافيين في وقت سابق من هذا الشهر عقب رحلة إلى جنوب شرق آسيا، "ما فعلناه في الأشهر القليلة الماضية منذ سن قانون تحفيز إنتاج أشباه الموصلات، ومنذ أن حصلنا على تلك المخصصات، هو النظر في العديد من الدول بوصفها شركاء محتملين للعمل معنا في هذا التنويع لسلاسل إمداد أشباه الموصلات".
وقال كريس ميلر، أستاذ التاريخ الدولي في جامعة تافتس ومؤلف كتاب "حرب الشرائح الإلكترونية: الصراع على التكنولوجيا الأكثر أهمية في العالم"، "باستثناء الصين، التي تحاول إنشاء منظومة خاصة بها، لا أعتقد أن أحدا آخر يسعى الى القيام بذلك. بل إنه لا يوجد شخص واحد في موقع السلطة في أي من دول مجموعة السبع يعتقد أن الاكتفاء الذاتي أمر ممكن أو مرغوب فيه".
ويعتقد أندروز أيضا أن بناء سلاسل إمداد مرنة أمر بالغ الأهمية، "ذلك أهم بكثير من أن نتغاضى عنه. فستحدّد أشباه الموصلات الاقتصاد والجغرافيا السياسية في الخمسين عاما المقبلة مثلما حددتها الاحتياطات النفطية في الخمسين عاما المنصرمة".