على امتداد ثلاثة أيام نهاية الأسبوع المنصرم، شكل مؤتمر ميونيخ للأمن منصة لاجتماع كبار صناع القرار وقادة الرأي في العالم، في تكرار سنوي لتظاهرة أمنية دولية، تناقش من خلالها المخاوف الأمنية الأكثر إلحاحا في العالم، في خضم توترات جيوسياسية متزايدة وارتفاع منسوب القلق وانهيار الثقة في نظام دولي افتقد قدرته على التعاون لحل الأزمات.
يُعد مؤتمر ميونيخ منصة هامة لفهم الكيفية التي تُفكر بها الولايات المتحدة والدول الأوروبية خاصة في ما يتعلق بالتحديات التي تطال النظام العالمي القائم والتهديدات الأمنية الدولية، لكن القاسم المشترك بين دورات المؤتمر المتتالية هو القلق الكبير الذي ينتاب الغرب إزاء مستقبل "هيمنته". لقد أقر مؤتمر ميونيخ في دورته عام 2023 وللمرة الأولى، أن النظام الدولي قد أصبح على أعتاب تعددية قطبية في ظل تعاظم جهود المعسكر المتمثل في روسيا والصين لتشكيل قواعد وقيم النظام الجديد. إذ إن معارضة قواعد النظام القائم لم تعد حصرا على الصين وروسيا، بل طالت أيضا الدول التي امتنعت عن إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مما يجعل من السهل استمالتها لتقويض قواعد ومبادئ هذا النظام.
لقد أبرز تقرير مؤتمر العام الماضي حدة التنافسات بإدراج الصين كواحدة من التحديات الأمنية أمام حلف "الناتو"، وعودة الصراعات بين المُعسكرين بما يشبه الحرب الباردة بدلا من تقديم حلول مُشتركة لملفات حقوق الإنسان والبنى التحتية والرقمية والتعاون الإنمائي والطاقة والتغير المناخي والتهديدات النووية والاستراتيجية.
لم تخرج النسخة الستون للمؤتمر هذا العام من دائرة صراع المعسكرين لتقويض قيم وأعراف النظام الدولي القائم والتأكيد عل الخطر المتمثل في الصين وروسيا، ولكن المؤتمر تحول بامتياز منصة أميركية أكدت من خلالها نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس على الأحادية القطبية وعلى قيادة الولايات المتحدة للعالم وقدرتها على التصدي لمحاولات الصين وروسيا إعادة تشكيل النظام الدولي بما يعود بالنفع المباشر على الشعب الأميركي.
المصلحة الأميركية فوق كل اعتبار
وتحت عنوان "المصلحة الأميركية فوق كل اعتبار" أكدت هاريس أن "المنهج الأميركي لا يعتمد على فضائل الأعمال الخيرية، نحن نتبع نهجنا لأنه يصب في مصلحتنا الاستراتيجية... نحن واضحون، لا يمكننا أن نكون أقوياء في الخارج إذا لم نكن أقوياء في الداخل". لقد تناولت نائبة الرئيس على مدى 30 دقيقة تقريبا كل الملفات الأمنية المطروحة، مؤكدة الالتزام بمواصلة المشاركة العالمية، ودعم القواعد والمعايير الدولية، والدفاع عن القيم الديمقراطية في الداخل والخارج، والعمل مع الحلفاء والشركاء سعيا لتحقيق أهداف مشتركة.