يتوهم كثير من ساسة العراق أن تصريحاتهم ولقاءاتهم في القنوات الفضائية، وحتى منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي تترك صدى واسعا في أوساط الجمهور العراقي. بل حتى في الأوساط العربية والدولية! يخرج بعضهم على الشاشة أو يكتب تغريدة على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، ويعتقد أنها ستشغل الرأي العام العراقي. في حين تقابل الكثير من هذه التصريحات بالسخرية والاستهزاء، وتكون الردود قاسية جدا من قبل بعض المدونين.
هناك الكثير من ترسبات وبقايا الحكم الشمولي تتحكم بالمجال السياسي في العراق. ولعل من أهمها ظاهرة الثرثرة السياسية التي بدأت تطغي على أحاديث السياسيين وحاشيتهم. وإذا كان النظام الشمولي قد احتكر وسائل الإعلام لترويج أحاديثه وخطاباته، فنحن الآن أمام زعماء وسياسيين يمتلكون قنوات تلفزيونية ولديهم صفحات في وسائل التواصل الاجتماعي وباتوا حاضرين وبقوة في برامج الحوارات السياسية. ليس هذا فحسب، وإنما بدأوا يستعينون بدكاكين ترفع عناوين مراكز الأبحاث أو الدراسات تقدمهم باعتبارهم أصحاب رؤية لحل الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعصف بالعراق. في حين يعرف القاصي والداني أن هذه الأزمات هي من نتاج سيطرتهم على مركز القرار السياسي وتقاسمهم مؤسسات الدولة باعتبارها إقطاعيات حزبية لهم ولزبائنهم السياسيين.
حالة التوصيفات من قبل القيادات السياسية ورؤساء الحكومات للأزمات السياسية الداخلية والخارجية التي يمر بها العراق، يمكن إدراجها ضمن خانة الثرثرة السياسية. فعندما تستمع إلى زعيم تكتل سياسي أو حزبي أو رئيس الوزراء والوزير وحتى البرلماني، تجده يسهب في سرد مكامن الفساد والفوضى الإدارية والبيروقراطية. وينتقد المحاصصة والمحسوبية والولاءات الفرعية وكأنه غير مسؤول عن هذا الواقع أو غير مشارك في المنظومة الحاكمة التي أنتجت كل هذه الفوضى والفساد.