القاهرة- سياسة عدم المساواة والظلم والتهميش التي اتبعتها الحكومات المركزية في الخرطوم منذ استقلال السودان عام 1956 دفعت الكثيرين إلى حمل السلاح ومهاجمة النخبة المتحكمة في السلطة وجيشها، بحسب تبرير قادة الحركات المطلبية المسلحة.
وربما كانت أولى معارك عدم المساواة قبل إعلان الاستقلال رسميا، وتحديدا عام 1955 عندما تمردت مجموعة من قادة جنوب السودان في الجيش بمساندة السياسيين الجنوبيين احتجاجا على عدم مساواتهم وظلمهم عند توزيع الوظائف التي تمت "سودنتها" تمهيدا لخروج المستعمر الإنجليزي، فقد تم منحهم وقتها 3 وظائف من 800 وظيفة، مع تظلمات أخرى متعلقة بالتنمية حينها.
ومنذ ذلك التاريخ تكررت الحروب في أطراف البلاد دون أن تبتعد عن هذه المطالب كثيرا وبطبيعة الحال قاتلتهم الحكومات على أنهم متمردون وخوارج عن السلطة الشرعية ومهددون للدستور.
ولما كانت الحكومات نفسها مضعضعة اقتصاديا وتستند على جيش محدود الإمكانيات في غالب الأحوال، وكانت حروب الحركات المطلبية المسلحة عبارة عن حرب عصابات أو حرب "اضرب واهرب" المرهقة للجيوش المنظمة في بلد شاسع، فقد ابتدعت الحكومات والجيش السوداني بدعة الاستعانة بالقبائل والسكان المحليين في القتال، ولاحقا انتهى الأمر إلى تكوين ميليشيات وجيوش موازية للجيش السوداني.
ومن منظور متبصر للتاريخ يمس الأحداث الجارية اليوم في السودان، سنجد أن صناعة الميليشيات حكر على الحكومة والجيش، وتتجاهل طبيعة الجيوش الموازية التي تحمل بذور تفكيك الدولة في نهاية المطاف.