أدريانا ليسبوا: ليس هناك قصص رائعة بل طرق رائعة لسردها

من أهم الكتاب البرازيليين المعاصرين

Oriana-Fenwick-Getty
Oriana-Fenwick-Getty

أدريانا ليسبوا: ليس هناك قصص رائعة بل طرق رائعة لسردها

تعتبر أدريانا ليسبوا المولودة عام 1970 في مدينة ريو دي جانيرو، من أهم الكتاب البرازيليين المعاصرين. ترى أن خوسيه ساراماغو صانع كلمات عظيما وتفضل باولو كويلو مؤلف الأغاني أكثر منه روائيا. بدأت شهرتها الأدبية مبكرا بعد حصول روايتها الثانية "السمفونية البيضاء" على "جائزة خوسيه ساراماغو" للأدب، كما اختيرت ضمن أفضل 39 كاتبا لاتينيا معاصرا تحت سن التاسعة والثلاثين عام 2007. تُرجمت أعمالها إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة من بينها اللغة العربية وتشتهر رواياتها بالتعمق في موضوعات الهوية والهجرة وتعقيدات العلاقات الإنسانية.

  • في رواية "السمفونية البيضاء" ناقشتِ الديكتاتورية في البرازيل من خلال قصة شقيقتين، حدِّثينا أكثر عن تفاصيل هذا العمل...

كان هدفي في هذه الرواية إقامة مقارنة بين أسرار العنف الرهيبة وسط عائلة عادية من الطبقة الوسطى في منطقة ريفية في البرازيل والعنف الذي كان يرتكبه جيش الديكتاتورية العسكرية. خطرت لي هذه الفكرة للمرة الأولى من حقيقة أنني صرت أما، فقد ولد ابني غبريال في عام 1998، وكتبت الرواية بين عامي 1998 و2000. كنت واعية تماما، بطريقة لم أختبرها من قبل. فشعورنا بالمسؤولية عندما يتعلق الأمر بتربية أطفالنا وحمايتهم من هذا العالم، يجعلنا عدائيين بطرق شتى. في الرواية أيضا اكتشاف للقوة الأخرى المتمثّلة في الحب والصداقة والفن.

  باولو كويلو يكتب نوعا من الأدب التجاري يصعب أن أميل إلى الإعجاب به

  •  ذكرتِ سابقا أن ساراماغو هو كاتبك المفضل، وكانت أول جائزة أدبية تحصلين عليها هي "جائزة خوسيه ساراماغو" كيف كان شعورك حينها؟

لأكون صادقة، فقد شعرت بالصدمة. كنت صغيرة لا أتجاوز 33 عاما آنذاك، وكانت "السمفونية البيضاء" روايتي الثانية، ولا أزال في طور اكتشاف أسلوبي الأدبي الخاص. كان ساراماغو أحد أبطالي الأدبيين، وعندما اتصل بي الناشر ليخبرني بأنني فزت بالجائزة، ظننت أنه يمزح. كان شرفا كبيرا أن أتسلم هذه الجائزة من يد ساراماغو شخصيا، ليس فقط لأنه كان (ولا يزال) المؤلف الوحيد الذي يكتب باللغة البرتغالية الذي حصل على جائزة نوبل، ولكن أيضا لأنه رجل يتمتع بمعايير أخلاقية مثيرة للإعجاب. بصرف النظر عن ذلك كله، هو صانع كلمات عظيم.

  • ككاتبة برازيلية، ما رأيكِ بأدب باولو كويلو؟

عمل باولو كويلو للمرة الأولى كاتب أغنيات في ستينات القرن الماضي، ووضع كلمات لفنانين برازيليين مهمين مثل راؤول سيكساس. بدأت حياته المهنية كروائي بعد عقدين من الزمن فقط. هو بالتأكيد المؤلف الأكثر شهرة وترجمة في البرازيل، ولديه عدد كبير من المعجبين المخلصين. ولكن يجب أن أقول إنني لست واحدة منهم. لأنه يكتب نوعا من الأدب التجاري الذي يصعب أن أميل إلى الإعجاب به. مع ذلك، فأنا أحب العديد من الأغنيات التي كتبها في الستينات.

  • هل هناك كتاب برازيليون مهمون لم ينالوا نصيبهم من الشهرة من وجهة نظركِ؟

بالتأكيد هناك العديد من الكتاب البرازيليين مثل ماتشادو دي أسيس، صاحب أعظم "كلاسيكياتنا"، وغيمارايس روزا مؤلف كتابي المفضل دائما، "غراندي سيرتاو: فيريداس"، وغيرهما ممن ينبغي أن يكونوا معروفين عالميا. في الوقت نفسه، القائمة ضخمة بالقدر نفسه إذا أخذنا في الاعتبار المؤلفين الأجانب المهمين غير المعروفين تماما في البرازيل. في بعض الأحيان تترجم أعمالهم فقط بعد فوزهم بجائزة نوبل كما كانت الحال مع الشاعرة الأميركية الكبيرة لويز غليك، على سبيل المثل.

  • لديكِ مساهمات في أدب الطفل، في الأونة الأخيرة أصبح وصول  الاطفال واليافعين إلى المعلومات عبر الإنترنت أمرا سهلا وهو ما أحدث تغييرات ملحوظة في مفاهيمهم. في ضوء ذلك، هل هناك موضوع معين ترغبين في الكتابة عنه؟

لست مؤلفة أدب أطفال بالمعنى الحقيقي للكلمة. كتبت بعض القصص المستوحاة من الكتب التي كنت أقرأها لابني. في المناسبة، أول كتاب قرأه بمفرده كان من كتبي. أعتقد أن ما يجب أن نأخذه في الاعتبار دائما، عند الكتابة للقراء الصغار، هو عدم محاولة نقل أفكارنا الخاصة حول ما هو صواب وما هو خطأ، ولكن التحدث عبر خيالهم، واللعب به، واستكشافه، وتركه جانبا بحيث يمكنهم الوصول إلى استنتاجاتهم الخاصة.

الاغتراب

  • تناقش روايتكِ، "الغراب الأزرق"، الانفصال عن أرض الوطن والفرق بين أسلوبي حياة البرازيليين والأميركيين. بعد انتقالكِ بشكل كامل من ريو دي جانيرو إلى أوستن بالولايات المتحدة، هل تشعرينِ كأنك فانغا، الشخصية الرئيسة في الرواية؟

قبل الانتقال إلى أوستن في عام 2017، عشت في كولورادو لمدة عشر سنوات. عشت كمغتربة برازيلية منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. حتى يومنا هذا، لا أزال على دراية تامة ومؤلمة في كثير من الأحيان بتجربة المهاجر. حتى عندما تكون خطوة طوعية ومتميزة مثلما حدث معي، انتقلت إلى الولايات المتحدة لأنني أردت ذلك، وليس لأنني اضطررت إلى ذلك، فهناك دائما شيء مفقود عندما نترك وطننا وراءنا، إلا إذا كنا أصغر من أن نتمكن من إدراك ذلك. كتبت شخصية فانغا، في الرواية كشخصية خيالية، لكن تجربتها تتشابك في أمور كثيرة مع تجربتي ومع تجارب المغتربين الآخرين الذين التقيتهم عندما وصلت إلى الولايات المتحدة للمرة الأولى. إنها فسيفساء من الأشياء التي عاشتها ولاحظتها.

GettyImages
أدريانا ليسبوا
  • تُرجمت أعمالكِ إلى لغات عدة من بينها اللغة العربية، كما تترجمين الأدب من الإنكليزية إلى البرتغالية، كيف ترين أهمية ترجمة الأدب وهل تناقشين أعمالك مع المترجم؟

أنا معجبة حقا بعمل المترجمين، ولهذا السبب قررت أن أصبح واحدة منهم. فمن دونهم هناك الكثير من المؤلفين الذين لم أكن لأقرأ أعمالهم أبدا، من آنا أخماتوفا إلى ريلكه، ومن لي بو إلى نجيب محفوظ، ومن سافو إلى الرومي. أترجم غالبا من الإنكليزية إلى البرتغالية، لكني أعمل أيضا باللغتين الفرنسية والإسبانية. كان شرفا كبيرا وتحديا بالنسبة لي أن أتمكن من ترجمة روايات وأشعار مؤلفين مثل مارغريت أتوود، وإميلي برونتي، ومارغريت دوراس، وآن كارسون، وفيرجينيا وولف، وخوسيه ليزاما ليما. باعتباري مؤلفة، يسعدني دائما أن أناقش مع المترجم أي أسئلة قد تكون لديه حول رواية أو قصة قصيرة أو قصيدة من تأليفي يقوم بترجمتها. أتعلم الكثير في هذه العملية.

الأدب الياباني

  • بعد حصولك على "منحة مؤسسة اليابان"، أظهرتِ اهتماما كبيرا بالأدب الكلاسيكي الياباني، أخبرينا المزيد عن ذلك؟

تركزت دراسات الدكتوراه الخاصة بي على الشعر الكلاسيكي الياباني، وبصورة أكثر تحديدا على أعمال شاعر القرن السابع عشر، باشو. لم يكن لدينا برامج للكتابة الإبداعية في الكليات والجامعات البرازيلية، لذا فإن ما فعلته في أطروحتي (بدعم كامل من المشرف الخاص بي) هو كتابة رواية. لقد فعلت الأمر نفسه للحصول على درجة الماجستير، وكان الأمر مثيرا للجدال في ذلك الوقت. لكنني أعتقد أن الكتابة الروائية هي أيضا مساحة مناسبة للتأمل. لقد مزج مؤلفون مثل خورخي لويس بورخيس بطريقة رائعة بين فن الخيال وفن المقال. في حالتي، أردت استكشاف الجماليات الكلاسيكية اليابانية (مثلما تنعكس في مذكرات سفر باشو) ومعناها المحتمل للعقل المعاصر.

لا أزال على دراية تامة ومؤلمة في كثير من الأحيان بتجربة المهاجر

  • كتبتِ الروايات والقصص القصيرة والقصائد. ما الذي يلهمك؟

الحياة اليومية. ما ألاحظه. العالم مصدر لا نهاية له من القصص التي يجب روايتها. ليس عليها أن تبدو عظيمة. فالمؤلفون المفضلون لديّ هم أولئك القادرون على إيجاد المعنى في الأحداث اليومية، ونقل ذلك إلينا. أعتقد أنه لا توجد "قصص رائعة"، بل توجد طرق رائعة لسرد القصص.

  • هل تعملين على مشروع جديد؟

لقد انهيتُ للتو مراجعة مخطوطة روايتي الجديدة مع المحرر الخاص بي. سيتم إصدارها في البرازيل في 2024، عندما أحتفل بمرور 25 عاما على ظهور كتابي الأول. هناك أيضا ديوان شعري جديد من المقرر أن يصدر العام المقبل، لكني لا أزال أعمل عليه.

font change

مقالات ذات صلة