تشكل الحرب المدمرة على غزة منعطفا حاسما في الشرق الأوسط، واضعة المنطقة بأكملها أمام مفترق طرق، فإما أن تسير صوب التصعيد والفوضى والحرب الإقليمية، وإما أن تسلك طريقا يوصلها إلى برّ الأمان الدائم والاستقرار والازدهار.
لعقود من الزمن، كان الشرق الأوسط مكانا لعدد من الصراعات الأكثر وحشية وتدميرا في العالم، ومن بينها غزو صدام حسين للكويت عام 1990، مرورا بالحروب الأهلية التي تفجرت في سوريا وليبيا واليمن بعد "الربيع العربي" عام 2011، ثم الجماعات الإرهابية الدولية مثل تنظيمي "القاعدة"، و"داعش"، وقبل ذلك الحرب الأهلية التي حرقت لبنان عام 1976. وقد أدت هذه الصراعات على الدوام إلى استفزاز واسع النطاق واشتباكات عسكرية هائلة، كانت تدفع السلام إلى الوراء على طول الخط.
ولكن هذه المنطقة، على الرغم من هذا وذاك، يحاول كثير من دولها على الدوام مع ذلك الانخراط بنشاط مع شتى دول العالم من خلال مجموعة من الاستثمارات والتنمية الاقتصادية السريعة. خذ مثلا ما قامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، من تحديث وإصلاحات اقتصادية برؤى بعيدة المدى تهدف إلى تعزيز ازدهارها الوطني، بما في ذلك اتخاذها موقفا منفتحا تجاه المنافسين الإقليميين التقليديين مثل إسرائيل وإيران.
وفي حين قد تغري الأحداث الأخيرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول بالتفكير في أن تسير المنطقة نحو تجدد الخلاف والصراع، فإن المشهد الاستراتيجي الأوسع لأهم اللاعبين الاقتصاديين في الشرق الأوسط، يظل دون تغيير، فالضرورات الاستراتيجية التي دفعت هؤلاء اللاعبين نحو أجندات الإصلاحات الاقتصادية والثقافية لا تزال قائمة، حتى في خضم موجة العنف الأخيرة التي شهدتها إسرائيل وغزة.