شهدت المواجهات بين "حزب الله" وإسرائيل منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحولات عدة، بين تفاوت حدّة القصف، وتنوع تكتيكات العمليات وأسلحتها ومدياتها، فضلا عن الهدنة التي استمرت نحو أسبوع ابتداء من 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بالتزامن مع توقف القتال بين "حماس" وإسرائيل في قطاع غزة. لكن خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، الثلاثاء 13 فبراير/شباط الجاري، شكل محطة مفصلية جديدة في سياق الحرب، لأنه يعكس المتغيرات التي طرأت على المقاربة الإسرائيلية للجبهة الشمالية، في ظل الاستعداد الأكبر في تل أبيب لـ"الارتقاء" بالعمليات ضد "حزب الله" بغية الضغط عليه ودفعه إلى التنازل والقبول بالحد الأقصى من المطالب الإسرائيلية التي ينقلها إليه الموفدون الغربيون، وذلك تحت وطأة الضغط الداخلي على حكومة بنيامين نتنياهو في ما يخص عودة مستوطني الشمال إلى منازلهم.
بالتالي فإن خطاب نصرالله ذاك لا يجب أن يؤخذ في مضمونه وحسب، بل في توقيته أيضا، على ما بين مضمونه وتوقيته من تداخل وثيق. فمن ناحية المضمون شهد خطاب 13 فبراير أعلى درجة من التصعيد من قبل نصرالله قياسا إلى كل خطاباته منذ بدء الحرب. فهو أكد أن أي توسعة للحرب من جانب إسرائيل ستقابلها توسعة لها من جانب الحزب، كما رفض كل العروض الدولية المقدمة له للتوصل إلى "اتفاق" بينه وبين تل أبيب، وحث الحكومة اللبنانية على التشدد في مفاوضاتها مع الوسطاء الغربيين وصولا إلى المطالبة بإدخال تعديلات على القرار 1701، في تناقض مع موقف حليفه رئيس البرلمان نبيه بري الذي يدعو إلى الالتزام بهذا القرار في رد على ما يعتبره خروجا عليه في مقترحات الوساطات الدولية، وآخرها المقترح الفرنسي.
وعليه فإن تجديد نصرالله تأكيده الربط بين جبهتي غزة ولبنان يأخذ هذه المرة معنى مغايرا لأنه مرتبط باستعداد أكبر لدى الحزب لمواجهة التصعيد الإسرائيلي بتصعيد مقابل، على وقع التهديدات الإسرائيلية المتزايدة بتكثيف الهجمات ضد "حزب الله" لخلق "واقع جديد" على الحدود الشمالية. أي إن نصرالله يهدف من وراء تصعيده إلى أن يظهر لتل أبيب أن "حزب الله" لا يخشى توسع المواجهات وأنه مستعد لكل السيناريوهات بما في ذلك سيناريو "الحرب الشاملة".