الغواية التي يطاردها الباحث الموسيقي فادي العبد الله في كتابه "في إثر الغواية" الصادر حديثا عن دار "الكتب خان" في مصر، لا تدرك لأنها لا تنتهي، ولا تني تتشكل وتتماوج وتهتز. تحديد العلاقة مع الموسيقى عبر وسيط الغواية، ينشئ موقعا يتحول فيه الناظر في شؤونها أقرب إلى ما حدده المزاج الشعبي في تناوله لفكرة الغواية ومنطقها بإحالته على المولع بالشيء المستعد لأن "ينقط بطاقيته" كما تعلن أغنية صباح الشهيرة "الغاوي ينقط بطاقيته" التي استقت عنوانها من مثل يضرب لهواة الشيءيبذلون في سبيله كل غال ونفيس.
مفهوم الغواية في الكتاب يردد أصداء ما شاع من توظيفات شعبية مثل تسمية "حمام الغية" التي تطلق على نوع من الحمام يعمل على إغواء الحمام الشارد وجره إلى مسكنه الخشبي أو الطيني، والذي يطلق عليه اسم "الغية"، وبذلك يرتبط الإغواء بفكرة إغراء ما تشرّد وتاه ومنحه بيتا ومسكنا.
يخترق هذا النزوع كل شغل الكتابعلى امتداد صفحاته التي تجاوزت الـ 400 صفحة من القطع المتوسط بالتضاد مع المعنى السلبي والكلاسيكي والمعجمي والأيديولوجي المستقر للغواية بوصفها ضلالا وانحرافا، ليجعلها ولعا وعناية بالتفاصيل واستعدادا لملاحقتها ورصدها بكل هوى القلب وأحكام العقل.