ليس هناك ما قد نصف به ديوان "فلسطينياذا" الشعري للشاعر الفلسطيني الأردني علي العامري الصادر عن "منشورات الأهلية"، إلا بوصفه كتابا صدر من القلب ودخل قلوب جميع من حظي بقراءته، ليس لأنه عاطفي اشتغل على موضوع فلسطين، أكثر الثيمات حساسية في العالم العربي، أو سلك طريقا استثنائيا في البكائيات التي كثيرا ما ارتبطت بالكتابة الشعرية عن فلسطين، بل لأنه طرق أبوابا في أرواحنا خلنا أنها أوصدت مذ قبلنا فكرة ندعي أنها لا تخطر أبدا علينا، وهي أن القضية الفلسطينية عصية على الحل إن لم يكن حلها مستحيلا.
في هذا الحوار نحاول تشريح هذه المجموعة الشعرية التي استطاعت منذ صدورها أن تستقطب اهتمام النقاد والقراء، من خلال إلقاء الضوء على بعض جوانبها الفنية وظروف كتابتها، ومن ثمة تقديم "فلسطينياذا" في الصورة التي أرادها صاحبها بعيدا من أي تأويل، إذ ليس هناك من في مقدوره إسماع صوته إلا صاحب الصوت، وقد كان علي العامري في مجموعته الشعرية "فلسطينياذا" صاحب صوت شعري لم يتفرد في جمله وأسلوبه فحسب، بل حاول أيضا أن يكون كما كتب الفيلسوف غاستون باشلار في آخر حياته: "كل حامل للهب هو شاعر محتمل".
صدر ديوانك "فلسطينياذا" قبيل أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى يكاد يكون تنبؤاً بما يحدث منذ ذلك الحين، بين المصادفة والتنبؤ والاستشراف، أين تضع عملك الإبداعي هذا؟
صدر الديوان قبل أيام قليلة من القيامة الجديدة لفلسطين في غزة. وربما، يمكن النظر إلى هذا التزامن مع "طوفان الأقصى"، بوصفه تجليات لحدوس الشعر والأرض والتاريخ معاً، وبوصفه "استجابة حدسية" وفق الكاتب عبده وازن في قراءته للكتاب. لقد جاءت هذه القصيدة المطولة إثر مراجعة لمساراتي الشعرية، إذ تمتد طبقاتها اللغوية من وضوح الدم إلى شعرية الحلم. جاء الكتاب، بهذا العنوان "فلسطينياذا"، ليقول كثيراً عبر كلمة واحدة وُلدت ودخلت في معجم فلسطين للمرة الأولى. قبل خمس سنوات ومع نص "مجنون التل"، بدأت البذرة الأولى للكتاب، وبقيت تنمو في صيرورتها وتحولاتها الداخلية، إلى أن بدأتُ الاشتغالَ الفعلي على الكتاب قبل عام واحد. ظل الأملُ قرينَ الفلسطيني للتحرر من الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني منذ النكبة عام 1948. لكن غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول جعلت الفلسطيني يعيش الأمل مع التفاؤل، وجعلت الشعوب العربية تسترد قامتها العالية، بعد تغييب طويل الأمد. لقد رأى العالَمُ التضحيات الكبرى والصمود وابتكار أشكال جديدة للمقاومة غير مسبوقة في مدونة الكفاح الفلسطيني، وفي تاريخ حركات التحرر العالمية أيضا. وصار هذا العالم يرى بعينين مفتوحتين الإبادة الجماعية في غزة "هيروشيما القرن" عبر بث مباشر، وصار يرى الدم الفلسطيني يتدفق في شريط يمتد عبر البحر المتوسط، وفي مختلف مناطق فلسطين. وأصبح العالم يرى السردية الفلسطينية من غير نقصان. ومن يقرأ "فلسطينياذا" يجد فيه صورا للمأساة الآن، وصورا لصمود الفلسطيني وجسارته وصبره وابتكاره.