يعتبر انخراط الهند في الشرق الأوسط جزءا من استراتيجية نيودلهي الأوسع لتبني ما تسميه "التحالفات المتعددة". وفي المقابل، وعلى عكس موقف الولايات المتحدة تجاه الهند، فإن دول الشرق الأوسط لا تعتبر التعامل مع الهند جزءا من عملية التوازن في مواجهة الصين. فالعلاقة بين الهند والشرق الأوسط تعكس البرغماتية المتبادلة التي تضع التعاون الاقتصادي والأمني في المقدمة بدلا من المواءمة السياسية.
حدود "الجنوب العالمي"
يستخدم بعض المحللين مصطلح "الجنوب العالمي" للإشارة إلى دول في آسيا، وأفريقيا، وأميركا اللاتينية باعتبارها تتمتع بعلاقات ومواقف مختلفة، أو متعارضة مع تلك الموجودة في دول الشمال (أو الغرب)، أي الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وكثيرا ما وجدت الهند نفسها تحت هذا التصنيف، خاصة بسبب عضويتها النشطة في مجموعة البريكس والمنظمات الرباعية متعددة الأطراف. وفي العام الماضي، تولت الهند رئاسة مجموعة العشرين واستخدمت هذا المنصب لتقديم نفسها كمناصر للجنوب العالمي. وكان أحد الإجراءات التي اتخذتها الهند في هذا الصدد هو قبول الاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين خلال رئاستها للقمة.
ولكن هذا التصنيف يحمل في طياته توقعات غير واقعية بشأن دور الهند في السياسة العالمية. ويُعتبر مصطلح "الجنوب العالمي" مصطلحا إشكاليا لأنه يفترض وحدة وتماسكا بين عدد كبير من البلدان التي تتبنى في الواقع مواقف سياسية متباينة ولها أولويات وطنية وإقليمية مختلفة. ويثير تقديم الهند لنفسها كصوت لمثل هذا التجمع افتراضات حول الدور الذي تلعبه ليس فقط فيما يتعلق بالغرب ولكن أيضا تجاه الدول الأخرى في "الجنوب العالمي"، وهي افتراضات قد لا تتماشى مع أهداف الهند وسلوكها.
برزت هذه الافتراضات بشكل واضح في سياق التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي جرى في السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول، حيث امتنعت الهند عن التصويت على القرار الذي يدين الهجمات الإسرائيلية على غزة وأيدت التعديل الذي يدين هجمات "حماس"، والذي رُفض في نهاية المطاف. وفسر بعض المحللين سلوك الهند في التصويت في الأمم المتحدة على أنه ناتج عن تعاونها مع إسرائيل في مجالات الدفاع والأمن والتكنولوجيا، في حين ادعى آخرون أن هناك أوجه تشابه أيديولوجية بين الصهيونية والقومية الهندوسية.
ولكن نظرة فاحصة تكشف أن السلوك السياسي في الهند لا يدور حول الانحياز إلى أي معسكر سياسي بعينه. وعلى هذا النحو، يتضح أن مصطلح "الجنوب العالمي" يخفي النهج الدبلوماسي المفضل لدى الهند. فمن ناحية، تضع الهند نفسها كجسر يصل بين الغرب وأجزاء أخرى من العالم. وعلى الجانب الآخر، فإن أهم منافساتها هي مع دولتين آسيويتين: الصين وباكستان. إن هذا المزيج من التوازن على المستوى الدولي والمنافسة في السياق الإقليمي الآسيوي يتجلى في علاقات الهند في الشرق الأوسط، ويتمحور التعاون في المجالات الاقتصادية والدفاعية في قلب هذه العلاقات.
تحقيق التوازن في العلاقات الاقتصادية
تسعى الهند، كجزء من تبنيها لسياسة "تعدد التحالفات"، للحفاظ على العلاقات الاقتصادية والدفاعية مع أطراف متنوعة، بل وحتى متنافسة، في الشرق الأوسط. وتعتبر العلاقات الاقتصادية والدفاعية مع إسرائيل ودول الخليج العلاقات الأكثر قوة بالنسبة للهند في الشرق الأوسط، لكنها تعمل أيضا على تعزيز ارتباطها مع إيران. من الناحية الاقتصادية، وبسبب نقص العمالة في إسرائيل بعد قرارها الأخير بمنع 80 ألف فلسطيني من العمل في أراضيها، تسعى إسرائيل إلى توظيف حوالي 10 آلاف عامل من الهند كبديل. وتعتبر هذه الخطوة إضافة جديدة على العلاقات التجارية والدفاعية القائمة بالفعل بين الهند وإسرائيل.