أثناء انعقاد منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، أعلن رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، عن معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي نسبته 5.2 في المئة. وشكلت تلك الأخبار مفاجأة إيجابية للأسواق، إلا أن انخفاضا كبيرا في السوق تبع ذلك الإعلان، مما دفع البعض للتساؤل حول مصداقية معدل النمو، الذي يعتمد عليه جذب الاستثمارات إلى الصين بشكل كبير.
مع حلول عام 2024، ما زال الاقتصاد الصيني يعاني من حالات ركود رباعي يشمل العقارات، وسوق الأوراق المالية، والعملة، وتضخم الأسعار؛ إذ شهد مؤشر هانغ سنغ انخفاضا بنسبة 11 في المئة خلال أول أسبوعين من التداول هذا العام، مما يجعله الأسوأ أداء في الأسواق العالمية.
وتشهد سوق العقارات في الصين المزيد من التراجع. وبالنظر إلى تجارب الولايات المتحدة واليابان خلال دورات الازدهار والكساد العقاري، استغرقت اليابان 13 عاما (1990-2003) والولايات المتحدة 5 سنوات (2007-2012) للانتقال من الذروة إلى القاع. والفرق يكمن في استجابة سياسة البنك المركزي للأزمة، فلو أن اليابان خففت سياستها النقدية قبل ربعين فقط، لكان من الممكن أن تتجنب انفجار الفقاعة العقارية.
ومن ناحية أخرى، لجأت الولايات المتحدة إلى أربع جولات من التيسير الكمي لاحتواء الركود الكبير. أما التصحيح العقاري الصيني فما زال في عامه الثاني. وبناء على دروس التاريخ، سيكون من المنطقي التنبؤ بوجود فترة لا تقل عن سنتين إلى ثلاث سنوات من التحديات في المستقبل.
سيؤثر ضعف الاقتصاد الصيني على أرباح الشركات العالمية التي تعتمد بشكل كبير على الصين
تعكس قضية الانكماش الاقتصادي في الصين، في الأساس، أزمة ثقة إذ يمثل قطاع العقارات ربع الناتج المحلي الإجمالي للصين، ويشكل في الوقت نفسه 70 في المئة من ثروة الأسرة الصينية. وعندما يتعرض هذا القطاع لحالة من الركود، يشعر المواطن الصيني العادي بأنه يعيش ظروفا اقتصادية أكثر فقرا.
في هذا السياق، تتزايد التحديات مع مكافحة الصين لمعدلات البطالة المرتفعة بين الشباب وتباطؤ نمو الأجور. ونتيجة لذلك، يجد المستهلكون أسبابا إضافية لتقليل الإنفاق والتوجه نحو التوفير.
ويشكل استقرار سعر الصرف الصيني أهمية بالغة في وقت تحاول فيه الصين تأمين دور أكبر للرنمينبي في التجارة العالمية، والاستثمارات، واحتياطيات العملات الأجنبية. ويعزى انخفاض قيمة العملة إلى الارتفاع الحاد في بيئة أسعار الفائدة الأميركية والهجرة الجماعية لرؤوس الأموال من الصين في ميداني الاستثمارات الأجنبية المباشرة وأسواق رأس المال المحلية خلال الأشهر القليلة الماضية.
لا يوجد حل سريع للمشاكل المنهجية التي تواجهها الصين. ولكن يتعين على الحكومة الصينية أن تكون أكثر جرأة في استعراض سياساتها النقدية والمالية في عام 2024 لتشجيع الاستهلاك، وتخفيف ديون الحكومات المحلية، والأهم من ذلك، خلق فرص العمل بكميات كبيرة.
ماذا يعني ضعف الاقتصاد الصيني بالنسبة للعالم؟
تترتب على اقتصاد الصين عواقب عالمية، حيث اعتمد الغرب سياسات محددة للتفاعل مع الصين القوية على مدى السنوات السبع الماضية، خلال فترتي إدارة ترمب وبايدن. ولكن، يبدو أن الإطار السياسي الحالي ليس مناسبا للتعامل مع التحدي الناتج عن ضعف الاقتصاد الصيني.
على الصعيد الاقتصادي، سيؤثر ضعف الاقتصاد الصيني بشكل مباشر على الأرباح الصافية للشركات العالمية التي تعتمد بشكل كبير على الصين كسوق استهلاكية نهائية، فالصين تعد ثاني أكبر مستورد في العالم بشكل عام، وثاني أكبر مستورد للسلع الفاخرة بشكل خاص. من "لويس فويتون" إلى "نايكي"، فإن العلامات التجارية الاستهلاكية العالمية قد لا تشهد انتعاشا سريعا بسبب السوق الصينية كما هو متوقع. ويمكن أن تكون بعض الخسائر في السوق الصينية أكثر ديمومة؛ فعلى سبيل المثال، يمكن أن تواجه شركة "آبل" خسارة أجزاء كبيرة من السوق الصينية على الرغم من التعافي الاقتصادي.
وتحتل الصين مكانة مركزية في سلسلة التوريد العالمية. وسيترتب على إخراج الصين من سلاسل العرض العالمية وإعادة بنائها في مواقع أخرى تكاليف أعلى لإعادة التأسيس الجغرافي في أسواق تتمتع بإنتاجية عمل وكفاءة سوق أقل. وبهذا الشكل، سيكون على المستهلكين العالميين تحمل هذه التكاليف من خلال المنتجات النهائية، مما يزيد من الضغط المستمر على تضخم الأسعار. وهناك مخاطر بأن يشهد التضخم في الولايات المتحدة ارتفاعا ثانيا إذا قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة هذا العام.
أما من الناحية الجيوسياسية، فتميل الصين الأضعف اقتصاديا إلى أن تكون أكثر حزما على المستوى الخارجي. وستزداد قوة المشاعر القومية، مما يحول اللوم عن ضعف الاقتصاد إلى جهات فاعلة أجنبية. وسيؤدي هذا إلى تصاعد التوتر القائم بالفعل بين الولايات المتحدة والصين.