ظهر مفهوم "النموذج الصيني" على خلفية النمو الاقتصادي الكبير الذي حققته الصين بعد ثلاثين عاما من الانفتاح واتباع سياسات الإصلاح. وكثيرا ما تتم مقارنة هذا النموذج بما يسمى "النموذج الغربي" في سياق عالمي. ومع ذلك، فإن مثل هذه المقارنات عفى عليها الزمن، حيث تتبع الصين والغرب مسارات وأساليب تنموية مختلفة، ولكل منهما أهداف تنموية متمايزة.
بالنسبة إلى الصين، كانت قصة نجاح البلاد والمسارات التي تسلكها مدفوعة بهدف أساسي هو السماح للناس بأن يعيشوا حياة أفضل. إن نموذج التنمية الصيني، الذي يتميز بالقيادة الموحدة والقوية لـ"الحزب الشيوعي الصيني" في تطوير اقتصاد السوق الاشتراكية، يحمل معنى المنفعة.
ولكن الغرب يعمل بشكل استباقي، من خلال سياسة المساعدات الخارجية في البداية، على الترويج لنموذجه التنموي في البلدان المتخلفة والنامية بغرض فرض القيم الديمقراطية حسب تعريفه الخاص.
وعلى الرغم من التفسيرات المختلفة، فلا ينبغي افتراض أن "النموذج الصيني" يسعى إلى القيام بدور مهيمن في تنمية الدول الأخرى أو أن يتم تكراره بالضبط من قبل الحكومات ذات السيادة. والأمر الأكثر ملاءمة هو أن يُنظر إليه باعتباره مجموعة من مسارات وأساليب التنمية التي قد تقبلها البلدان المتخلفة والنامية أو تتعلم منها بطبيعة الحال، وذلك نظرا لروحها العملية، وعمليتها، وتركيزها على التمكين الاقتصادي بدلا من الفرض السياسي.
كانت قصة نجاح البلاد والمسارات التي تسلكها مدفوعة بهدف أساسي هو السماح للناس بأن يعيشوا حياة أفضل
وفي أفريقيا، على سبيل المثال، أدت الاستثمارات من الشركات الصينية المملوكة للدولة والشركات الخاصة، ضمن الإطار الأوسع لمبادرة الحزام والطريق، إلى تعزيز التجارة بين الصين وأفريقيا بشكل كبير. وكما أفادت وزارة التجارة الصينية، فقد تجاوزت هذه التجارة تريليوني دولار أميركي في العقد الماضي، مع احتفاظ الصين بمكانتها كأكبر شريك تجاري لأفريقيا. ويُظهِر تحول الصناعات المحلية في ساحل العاج (كوت ديفوار) وكينيا، والذي سهلته الاستثمارات الصينية، نجاح النموذج في توفير قنوات تصدير مستقرة وبأسعار معقولة ودخول مستدامة، وبالتالي اجتذاب المزيد من الشباب للبقاء في مدنهم. هذه مجرد أمثلة قليلة على الفوائد الملموسة للنموذج الصيني، كما ذكرت وكالة أنباء "شينخوا".
باختصار، يجسد "النموذج الصيني" قيما تختلف عن الأعراف العالمية. وتلتزم الصين بالمساهمة في تحقيق الصالح العام من خلال أطر مثل مبادرة التنمية العالمية، في حين تعمل على تعزيز الشراكات العملية، الثنائية والمتعددة الأطراف، مع البلدان المتخلفة والنامية.
ومع التحديات الناجمة عن الآثار المتبقية لـ"كوفيد-19" والاضطرابات الجيوسياسية، فإن تأثير "النموذج الصيني" لا يزال غير مكتمل، ولكن منطق النموذج وثقافته وأهدافه، فضلا عن تجارب البلدان التي تنفذ نماذج التنمية المستوحاة من النموذج الصيني، ستظل مؤثرة. وفي نهاية المطاف، ستتشكل قصة النموذج الصيني من قصص أولئك الذين استفادوا منه.