طموحات إندونيسيا الكبرى في صناعة النيكلhttps://www.majalla.com/node/310681/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%B7%D9%85%D9%88%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D9%86%D8%AF%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D8%B1%D9%89-%D9%81%D9%8A-%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D9%83%D9%84
قبل مدة طويلة من اكتساب التحول في مجال الطاقة زخما في أنحاء العالم، حلمت إندونيسيا، الدولة الرائدة في استخراج النيكل، باستغلال ثرواتها المعدنية لإدخال تحول على اقتصادها وزيادة نفوذها في السوق الدولية.
أدى التحول العالمي بعيدا عن الوقود الأحفوري والطلب المتزايد على المعادن الحيوية التي تمد التكنولوجيا الخضراء بالطاقة إلى تعزيز طموحات جاكرتا. فالنيكل مكون رئيسي في بطاريات السيارات الكهربائية، لكن قليلا من الدول يمكنها الادعاء بأنها تمتلك حصة كبيرة في قطاع النيكل العالمي مثل إندونيسيا، موطن أكبر احتياطيات النيكل في العالم والدولة التي استخرجت نصف الإمداد العالمي منه في سنة 2022.
اليوم، مع توقع توجه أكثر من 100 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع اليوم لانتخاب أول رئيس جديد لإندونيسيا منذ عشر سنوات، ينتظر أن يولى رهان جاكرتا في المستقبل مزيداً من الاهتمام. ومن المقرر أن يغادر الرئيس الحالي جوكو ويدودو، الشهير باسم جوكوي، منصبه في أكتوبر/تشرين الأول بعد توليه السلطة لمدة عشر سنوات – وهي مدة الولاية القصوى المسموح بها - ما يثير تساؤلات تتعلق بكيفية استمرار خليفته في تشكيل هذا القطاع المزدهر في البلاد.
من الواضح أن إندونيسيا لا تريد أن تكون فحسب مصدرا للمواد الخام، بل سترغب على الأرجح في امتلاك صناعة النيكل المنقى في العالم على الأقل
ألكس بيكر، محلل السياسات في مؤسسة "بنشمارك منِرال إنتلجنس"
يقول ألكس بيكر، محلل السياسات في مؤسسة "بنشمارك منِرال إنتلجنس": "من الواضح أن إندونيسيا لا تريد أن تكون فحسب مصدرا للمواد الخام التي تصنع لتصبح أكثر قيمة في أنحاء أخرى من العالم. بل سترغب على الأرجح في امتلاك صناعة النيكل المنقى على الأقل، إن لم يكن صناعة بطاريات مكتملة، تجعلها أكثر قيمة على الساحة العالمية".
تبلورت تلك الطموحات في عهد جوكوي، الذي بذل مزيداً من الجهود لجذب الاستثمارات العالمية وجعل إندونيسيا قوة إقليمية في صناعة البطاريات، بل إنه اقترح ذات يوم إنشاء تكتل للنيكل مماثل لمنظمة "أوبك". كما حظر جوكوي صادرات النيكل الخام في سنة 2020 حرصا على بناء قدرة تصنيعية ذات قيمة أعلى، وهي عملية تسمى "التحويل إلى منتجات مصنعة". وقد دفعت تلك الخطوة المستثمرين المهتمين، ومعظمهم من الشركات الصينية، إلى أن يطوروا بدلا من ذلك المصاهر الإندونيسية ومعالجة المعادن داخل البلاد.
ولم يتوقف جوكوي عند النيكل فحسب، بل قيدت جاكرتا أيضا خلال عهده صادرات البوكسيت وزيت النخيل والفحم في مراحل مختلفة، في حين ينتظر أن يصبح حظر جديد على صادرات خام النحاس نافذاً في مايو/أيار المقبل.
يجري السباق الآن على خلافته. ويتنافس ثلاثة مرشحين على منصبه: برابوو سوبيانتو، وزير الدفاع الحالي الذي له صلات بالديكتاتور القاسي سوهارتو ويواجه اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان؛ وغانجار برانوو، الحاكم السابق لجاوا الوسطى؛ وأنيس باسويدان، الحاكم السابق لجاكرتا.
برابوو هو المرشح الأوفر حظا للفوز – ومما أثار الجدل اختياره غيبران راكابومنغ راكا، ابن جوكوي نفسه، نائباً له - إذ تتوقع استطلاعات الرأي الأخيرة حصوله على أكثر من 50 في المئة من الأصوات اليوم (إذا لم يحصل أي مرشح على أكثر من 50 في المئة، فستتجه الانتخابات إلى جولة ثانية في يونيو). وقد تعهد الثنائي بالاستمرار في سياسات جوكوي وأشادا بها بوصفها مساراً نحو الازدهار الاقتصادي، بل إن غيبران اتهم منافسيه بأنهم "معادون للنيكل".
عندما تولى جوكوي منصبه في سنة 2014، كانت صادرات إندونيسيا من النيكل الحديدي، وهو شكل معالج من النيكل، تبلغ 83 مليون دولار، وفي سنة 2022 ارتفعت هذه القيمة إلى 5,8 مليارات دولار
وقد أعلن برابوو في أثناء الحملة الانتخابية "هذا هو الإصرار الذي علينا أن نحافظ عليه. ومن الأفضل أن نصدر بطاريات السيارات الكهربائية أو السيارات الكهربائية، بدلاً من تصدير النيكل الخام ليعالج في دول أخرى."
وتقول إيف واربرتون، مديرة معهد إندونيسيا في الجامعة الوطنية الأسترالية ومؤلفة كتاب "قومية الموارد في إندونيسيا": "خلاصة القول هي أننا 'حققنا الكثير في قطاع المنتجات الجاهزة للمعادن وأن رئاسة برابوو-غيبران ستستمر على المسار نفسه. كان من الصعب على المرشحين الآخرين تمييز أنفسهم عن برابوو وغيبران فيما يتعلق بهذا التدخل المحدد على صعيد السياسات لأنه حقق نجاحا هائلا وفقا للحكومة والأرقام الحكومية".
على سبيل المثال، عندما تولى جوكوي منصبه في سنة 2014، كانت صادرات إندونيسيا من النيكل الحديدي، وهو شكل مُعالَج من النيكل، تبلغ 83 مليون دولار؛ وفي سنة 2022، ارتفعت هذه القيمة إلى 5.8 مليارات دولار. وبعيدا عن الصادرات، تشهد إندونيسيا اليوم أيضا مستويات قياسية من الاستثمار الأجنبي المباشر، وقد تدفق ثلثها تقريباً على قطاع المعادن والتعدين في البلاد.
ترجع جهود إندونيسيا لبناء صناعة النيكل إلى أكثر من عشر سنوات، بل إنها سبقت ولاية جوكوي. فقد أدخل الرئيس آنذاك، سوسيلو بامبانغ يودويونو، تشريعات في سنة 2009 تلزم الشركات بتوظيف عمال مناجم محليين، وتشدد على وجوب أن تركز جميع جهود التعدين على تعزيز المصالح الوطنية. ولاجتذاب الاستثمارات الأجنبية، فرض يودويونو أيضا أول حظرٍ في إندونيسيا على صادرات النيكل الخام في سنة 2014، مع أن تلك القيود خففت لاحقا في سنة 2017.
وتقول واربرتون إن طموحات إندونيسيا في قطاع النيكل "تعود إلى سنوات يودويونو وقانون التعدين لعام 2009. ومنذ ذلك الحين، ينص القانون على وجوب أن تحصل إندونيسيا على قيمة أكبر في مقابل معادنها".
مع ذلك واجه القطاع عددا من التحديات في السنوات التالية منذ ذلك الحين، لا سيما مع تزايد المخاوف في شأن التلوث الناجم عن الصناعة والأضرار البيئية وقضايا السلامة، وسط تقارير عن انفجار مصاهر وغيرها من الحوادث المميتة. وفي إحدى الحالات الأشد فتكا، أدى انفجار في مصنع للنيكل الصيني في ديسمبر/كانون الأول إلى مقتل 21 شخصا وإصابة العشرات.
ويقول كيفين أورورك، مدير شركة "رفورماسي إنفورميشن سيرفيسيز"، وهي شركة استشارية إندونيسية لتحليل الأخطار السياسية: "المشكلة الحقيقية في سياسة تحويل النيكل إلى منتجات مصنعة هي مجرد الافتقار التام إلى الضمانات على ما يبدو".
وتلوح تحديات أخرى في الأفق في شأن مستقبل القطاع. ففي حين توافد كبار المستثمرين الصينيين وصانعي المركبات الكهربائية، بما في ذلك شركة "بي واي دي"، إلى إندونيسيا ومعهم استثمارات بمليارات الدولارات، فإن النهج الذي تتبعه جاكرتا يخاطر بإبعادها عن شركاء محتملين آخرين والأسواق الدولية، بما في ذلك في الولايات المتحدة.
يقول الخبراء إن المشهد التكنولوجي المتغير يمكن أن يعقد أيضا خطط جاكرتا المستقبلية، بما أن الطلب على التحول في مجال الطاقة يدفع إلى تطوير أنواع جديدة من بطاريات المركبات الكهربائية
في التعامل مع واشنطن، كانت جاكرتا تضغط للتوصل إلى اتفاق محدود لتجارة المعادن الشديدة الأهمية يتيح للشركات الإندونيسية الاستفادة من ائتمانات ضريبية ضخمة من طريق قانون خفض التضخم. لكن هذه المحاولة أثارت رد فعل حادا في واشنطن، إذ كتب تسعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي رسالة يعترضون فيها على مثل هذه الصفقة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
كتب أعضاء مجلس الشيوخ: "لدينا مخاوف في شأن معايير إندونيسيا الخاصة بحقوق العمال وحماية البيئة والسلامة وحقوق الإنسان". وأشاروا أيضا إلى المخاوف في شأن استثمارات الشركات الصينية في إندونيسيا والحظر الذي فرضته جاكرتا على تصدير خام النيكل. ولم يتحقّق اتفاق التجارة في النهاية.
يقول الخبراء إن المشهد التكنولوجي المتغير يمكن أن يعقد أيضا خطط جاكرتا المستقبلية، بما أن الطلب على التحول في مجال الطاقة يدفع إلى تطوير أنواع جديدة من بطاريات المركبات الكهربائية.
وفي حين أن النيكل مكوّن حاسم في بطاريات النيكل والمنغنيز والكوبالت القوية التي تحظى بشعبية كبيرة اليوم، فإن بعض الشركات تتطلع إلى أنواع جديدة من البطاريات التي لا تستخدم هذا المعدن.
وكتب كولين هندريكس، وهو زميل أول في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: "إن احتياطيات إندونيسيا من النيكل وطموحاتها الصناعية معرضة لأخطار أن تصبح أقل قيمة بسبب التغيرات في كيمياء البطاريات". وأضاف أن هيمنة بطاريات النيكل والمنغنيز والكوبالت "قد تكون عابرة".