قبل نشوء الكيان الفلسطيني في الضفة وغزة، بموجب "اتفاق أوسلو" (1993)، لم يكن للفلسطينيين أية تجربة سياسية- كيانية في تاريخهم، أما اعتبار "منظمة التحرير الفلسطينية" بمثابة كيان سياسي لهم فهي كذلك، لكن من دون ممارسة أي من أشكال السيادة في إقليم متعين، ومن دون مؤسسات تدير مجتمعات الفلسطينيين في الداخل والخارج.
على ذلك، فإن مشكلة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة لا تنبع من افتقادها لكيان، فقط. وإنما أيضا من افتقادها حيزا جغرافيا مستقلا، وافتقاد شعبها للوحدة المجتمعية، وللوجود المستقل، إذ إن الفلسطينيين، كشعب، مجزؤون، ويخضعون لهيمنة كثير من الأنظمة، باختلافاتها السياسية والقانونية. ففي فلسطين التاريخية، من النهر إلى البحر، وتحت هيمنة دولة واحدة هي إسرائيل، ثمة عدة معايير سياسية وقانونية إزاء الفلسطينيين، تتحكم في واقعهم وبأولوياتهم، بين فلسطينيي 48، وفلسطينيي الضفة، وفلسطينيي القدس، وفلسطينيي غزة، وهذا ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين في بلدان اللجوء، فثمة فلسطينيو الأردن (كمواطنين)، وثمة فلسطينيو لبنان أو سوريا أو مصر، وكل مجتمع يختلف في ظروفه وشروطه عن الآخر.
هكذا فإن قيام سلطة فلسطينية في الضفة والقطاع لم يخفف من تلك المشكلة، فهي لم تتطور إلى دولة، وهي تحت هيمنة سلطة الاحتلال، وأيضا بحكم تأزم معنى الهوية الوطنية الفلسطينية ودلالاتها وحدودها، إضافة إلى أنها نشأت كسلطة على فلسطينيي الضفة وغزة، دونا عن باقي الفلسطينيين في الداخل والخارج.
الجدير ذكره، أن الحركة الوطنية الفلسطينية حرمت من ممارسة أي نوع من السيادة في الضفة والقطاع (قبل احتلالهما عام 1967)، رغم قيامها قبل ذلك، إذ بقيت السيادة على قطاع غزة لمصر وعلى الضفة الغربية للأردن وهذا ما سنأتي على ذكره لاحقا.