استقرار النقد حق من حقوق الإنسانhttps://www.majalla.com/node/310596/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%AD%D9%82-%D9%85%D9%86-%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86
أحيا العالم في العاشر من كانون الاول/ديسمبر الماضي الذكرى الـ75 لتوقيع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 في قصر شايو في باريس، الذي كان أول وثيقة دولية تمثل توافقا عقلانيا ومشتركاً للبشرية على ان هذه الحقوق غير قابلة للتجاوز لأي سبب، من مثل الطبقة الاجتماعية او العرق أو الجنسية او الدين.
تألفت لجنة صياغة الاعلان المكون من مدخل و30 مادة، من الرئيسة إليانور روزفلت، زوجة الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت، ونائب الرئيس الصيني بي سي تشانغ، والمقرر اللبناني شارل مالك. ووسعت لاحقا لتضم أعضاء ممثلين من أوستراليا وتشيلي وفرنسا والمملكة المتحدة والاتحاد السوفياتي. واقتُبس من اعلان الحقوق لولايتي "فرجينيا" و"ماساتشوستس" ومن الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن الفرنسي، علما أن الاخير لم يعتمد المساواة بين الرجل والمرأة في حينه.
ذكرت الرئيسة روزفلت "ان الاعلان ليس معاهدة او اتفاقية دولية، ولا مبادئ قانونية أساسية. انه مبادئ أساسية لا تفرض أي التزام قانوني بل تقيم معيارا أدبيا ومعنويا مشتركا "Common Standard" يُرجَع اليه ويُستشهَد به عند الاقتضاء".
كان رأي الصين ضرورة التركيز على الجيل الثاني منها، أي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كالصحة والعمل والضمان والسكن والتنمية، وهي حقوق على الدولة
من هنا كانت الحاجة لاستكماله بنصوص قانونية دولية واقليمية ووطنية. فكان صدور العهدين الدوليين المتعلقين، الأول بالحقوق المدنية والسياسية، والثاني بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كما وقعت اتفاقيات اقليمية، اهمها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والمحكمة الاوروبية لحقوق الانسان التي تنظر في قضايا الانتهاكات لهذه الاتفاقية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي يؤكد الإعلان العالمي، وإعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام، والاخير يذكر في المادة 3 منه بالمساواة بين الرجل والمرأة لكن في ظل التمايز الايجابي المنصوص عليه في الشريعة. كما انشىء مجلس لحقوق الإنسان تابع للأمم المتحدة وآليات وضعتها المنظمة الدولية لرصد انتهاكات حقوق الانسان والتحقيق فيها.
وقد دعم التطور التشريعي لحقوق الانسان، تحول هذه الحقوق الى نوع من الايديولوجيا العامة، بحسب استاذ القانون والتاريخ صامويل موين، بعد سقوط ايديولوجيات الاشتراكية الطوباوية ومناهضة الاستعمار ومعاداة الشيوعية.
في المقابل تم تقويض عالمية الاعلان بعشرات الصراعات الدامية التي اندلعت بعد توقيعه، آخرها حربا أوكرانيا وغزة، وبتحفظات متنوعة اهمها تلك التي صدرت عن الصين ودعت فيها الى وجوب النظر الى الاعلان بالتوافق مع الارث الثقافي واحتياجات كل شعب، مما يوفر ضمنا الكثير من الادانات للدول التي تنتهك الاعلان.
وخلافا للغرب الذي يركز على الدفاع على الجيل الاول من الحقوق، اي الحقوق المدنية والسياسية تجاه الدولة، مثل حرية الدين والتعليم والتعاقد والتملك والتعبير والتظاهر وتكوين الجمعيات والاحزاب وغيره، كان رأي الصين ضرورة التركيز على الجيل الثاني منها، اي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كالصحة والعمل والضمان والسكن والتنمية، وهي حقوق على الدولة. وتفتخر الصين في هذا المضمار بانتشالها مئات الملايين من مواطنيها من الفقر.
وتنتقد الصين وروسيا وعدد من الدول النامية الغرب بسبب عدم الحيادية التي يتعاطى بها مع حقوق الانسان، والتأسيس عليها للتدخل في شؤون الاخرين وإطلاق سياسة استعمارية غير مباشرة.
اما التعليقات المحايدة فكانت ان مبدأ حرية تقرير المصير يجعل كل دولة صاحبة اختصاص سيادي بتفسير حقوق الانسان مما يجعل الخيارات الوطنية تسود عمليا على أية قيمة عالمية. من جهة اخرى لا توجد سلطة على المستوى العالمي تتمتع بالشرعية اللازمة ووسائل الإكراه المناسبة لفرض احترام حقوق الانسان في كل دولة. ففي عدد من الدول يتمتع المواطنون بإمكان غير متوافر للجميع وهو الوصول إلى محاكم دستورية تعمل على التوفيق بين حقوق الانسان من الجيلين السابقين، والوصول ايضا إلى محاكم عدل فوق وطنية كما هي الحال في أوروبا. وهناك أيضا محكمة جنائية دولية، فضلاً عن محاكم دولية ذات اختصاص قضائي محدد في مجال انتهاكات حقوق الإنسان.
إن من أهم أهداف الدولة هو الحفاظ على استقرار نقدها، وبعد الحرب العالمية الثانية تبين أن استقرار النقد يقود إلى استقرار الدولة ذاتها
ديفيد مارش
إن القول بأن هناك حقوقا طبيعية للانسان تسبق الحكومة يؤدي إلى الفوضى، لأن هذا يعني أن القانون لا يمكنه ادخال اي تقييد على الحقوق الطبيعية. من جهة اخرى لا يمكن الكلام عن اي حقوق الا بوجود دولة وحكومة، ويفيد التاريخ ان استقرار النقد هو المدماك الاساس في ثبات الدولة، وفي ارساء الحقوق فيها ضمنا. هذا هو الدرس الذي تعلمه الالمان من اسوأ انهيارين نقديين في التاريخ، الاول مع حكومة فيمار، والثاني بعد هزيمة النازية، وهذا ما يجب أن يعتمده الاخرون.
يقول ديفيد مارش في كتابه "البوندسبنك، المصرف المركزي الذي يدير أوروبا" قبل الحرب الكونية الثانية، "ان من اهم اهداف الدولة هو الحفاظ على استقرار نقدها، وبعد الحرب تبين ان استقرار النقد يقود الى استقرار الدولة ذاتها".
مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي لـ CNBC عربية:
الحرب في غزة لها تأثير كبير على الاقتصاد اللبناني ويجب العمل على إعادة منظومة الإصلاح الاقتصادي للبنان
ويضيف انه يعود إلى لودفيغ ايرهارد، وزير الاقتصاد ومهندس المعجزة الاقتصادية الألمانية بقيادة المستشار كونراد ايدنهاور، الاعلان للمرة الأولى "ان استقرار النقد هو من حقوق الانسان الرئيسة"، لكن المستشار وضع الحق في استقرار النقد على رأس لائحة الحقوق باعتباره الشرط الاول للحفاظ على الدستور والدولة والمجتمع واقتصاد السوق، وكان هذا الامر منطلقه لتعديل قانون المصرف المركزي بهدف منحه استقلالية رائدة، وايضا لارساء اهم محكمة دستورية في العالم في حماية الحقوق، مما دفع كيسنجر الى ادراجه على رأس لائحة من ست شخصيات يعود إليها الفضل في اعادة بناء عالم ما بعد الحرب الكونية الثانية.
ولطالما ردد المسؤولون الالمان من بعده أقوالا تركز على الحق في استقرار النقد، فوزير المال كارل شيلر ذكر انه بدون هذا الحق يصبح كل شيء عدما. اما الحاكم هلموت شليزنغر فاعتبر ان تأمينه هو التربة التي ينمو عليها المجتمع، وكان الحاكم كارل أوتو بول الاكثر وضوحا بدعوته الى تعديل شرعة حقوق الانسان بإضافة حق الانسان في استقرار النقد الى هذه الشرعة. وكان هانس لوثر الرئيس السابق لـ "رايخسبنك" ReichsBank قد سبق الجميع في منحاهم بقوله ان الحق في استقرار النقد هو بمثابة حق المواطن في الحصول على الخبز اليومي.
لقد انحصر برنامج المفوض السامي لحقوق الإنسان للاحتفال بالذكرى الـ75 لتوقيع الإعلان العالمي لهذه الحقوق بالنقاش في علاقة هذه الحقوق بقضايا الأمن والسلام والتكنولوجيا الرقمية والتنمية والاقتصاد والبيئة والمناخ.
ان المناسبة كانت مؤاتية لطرح موضوع العمل على تعديل نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية على نحو يسمح لها بالتصدي لجرائم الابادة المالية، في إطار اختصاصها بالنظر في جرائم الابادة الجماعية، لحماية حقوق المواطنين في الاستقرار النقدي والمالي من سياسات مالية ومصرفية ونقدية متهورة او مقصودة تفضي الى سلب أموال الناس في استثمارات مالية ومدخرات وودائع مصرفية، وهي أزمات تكاثرت في العقود الثلاثة الاخيرة.