أربيل - هناك أربع دول رئيسة من بلدان الشرق الأوسط- تركيا وإيران وسوريا والعراق- يتجاوز مجموع سكانها 200 مليون نسمة، تحوي كل واحدة منها "أقلية قومية كردية"، تتراوح نسبتها بين 15-25 في المئة، وتستند القوى والأحزاب السياسية المعبرة عن أبناء "القومية الكردية" في هذه البلدان إلى تنظيمات مسلحة رديفة لها.
وتتفاوت هويتها ونموذجها التكويني بين "جيوش شبه نظامية مُعترف بها دستوريا"، كما هي حالة "قوات البشمركة" في إقليم كردستان العراق الفيدرالي، أو قوة سيطرة عمومية، تُدير منطقة واسعة من البلاد بحكم الأمر الواقع، مثلما هي "قوات سوريا الديمقراطية" في سوريا، أو فصائل مسلحة تقود حركات من الكفاح المسلح ضد السلطات الحاكمة لبلدانها، وفق ما يقوم عليه "حزب العمال الكردستاني" في تركيا أو مجموع الأحزاب "القومية الكردية" في إيران، حيث الجامع الرئيس بين الفئتين الأخيرتين، هو إقامة قواتها العسكرية الرئيسة خارج بلدانها، وتنفيذها عمليات عسكرية محدودة بين فترة وأخرى.
رؤيتان تقليديتان
منذ عقود عدة، عندما بدأت القوى السياسية الكردية في هذه البلدان تأخذ منحى "العمل المسلح"، وتؤسس فصائل وتنظيمات حربية، وتنفذ عمليات عسكرية ضد جيوش هذه البلدان، للمطالبة بـ"الحقوق القومية" للأكراد فيها، فإن رأيين مستقطبين كانا يُطرحان بشأن تأثيرات وأدوار التنظيمات الكردية المسلحة في هذه الكيانات، على "هوية الدولة ودورها ووظائفها العامة" فيها، وعلى كامل العمران السياسي والإداري والاقتصادي وتحولاته ضمنها. لا يزال الرأيان حاضرين بقوة في الفضاء السياسي/الفكري في هذه البلدان:
رأي أول كان مصدره عادة جهات مرتبطة بالسلطات الحاكمة والغالبية الشعبية في هذه البلدان، يرى في التنظيمات الكردية المسلحة أداة لتفكيك وبعثرة وتجزئة مجموعة من الدول "الناجزة"، خدمة لمصالح القوى الدولية الكبرى. ويعتبرها أدوات لا تنتج فعليا إلا تثبيطا لحركة التحديث السياسي في هذه الدول، لأنها تقوي التيارات القومية اليمينية والعسكرية المتطرفة في كل واحدة من تلك البلدان، وتزيد من مستويات النعرات القومية والشقاق الاجتماعي فيها، وتحور من جوهر المسألة السياسية فيها، ليكون صراعا على الهوية.
على النقيض منها تماما، فإن الأدب السياسي الكردي كان يؤشر إلى تلك التفسيرات على اعتبار أنها نزعات لا ترى في الدولة إلا أداة كبرى لـ"السطوة العامة" فحسب، محتكرة لأبناء "القوميات المركزية" /الغالبية على غيرهم من المكونات، دون أية هويات ووظائف عامة أخرى، مثل احترام واحتواء التنوع العرقي والديني والثقافي، والاعتراف بالتنوع وتنميته على الدوام، أو تأمين مساواة واضحة لجميع السكان أمام القانون والتشريعات، وفي آليات صناعتها وإقرارها، أو تأمين عدالة تنموية بين مختلف مناطق وجغرافيات البلاد، وتوزيع الخير العام بعدالة واضحة فيما بينها، بغض النظر عن الهوية القومية لسكانها.