يتشابه الكيان السياسي العراقي مع ذلك الكائن المسخ في رواية "فرانكشتاين" لماري شيلي. فالعراق لم يكن يوما نتاج عقد اجتماعي، وإنما نتاج إرادة خارجية فرضت وجودها، وبقيت عبارة عن تجمع مكونات طائفية وعرقية وليس الشعب بأكمله. ولذلك، حتى يومنا هذا، عندما نريد مناقشة مشكلة تأسيس الدولة العراقية نعود إلى مذكرة الملك فيصل الأول، التي نقلها عبد الكريم الآزري في كتابه "مشكلة الحكم في العراق"، ويقول فيها: "في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سماعون للسوء ميالون للفوضى، مستعدون دائما للانتفاض على أي حكومة كانت. فنحن نرى، والحالة هذه، أن نشكل من هذا التكتل شعبا نهذبه، وندربه، ونعلمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف يجب أن يعلم أيضا عظم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين وهذا التشكيل...".
المفارقة أن أكثر من مئة عام على تأسيس الكيان السياسي في العراق، ومشاكل التأسيس لم تنته بعد. فالدولة العراقية، كما يصفها المفكر الراحل فالح عبد الجبار، ظاهرة يافعة تعود إلى عشرينات القرن العشرين، أي إنها نتاج الحكم الاستعماري، وتفتقر إلى العمق التاريخي والمؤسسات المتجذرة؛ وهي دولة إقليمية، أي وحدة جغرافية لا تضم شعبا (أمة) يبحث عن كيان الدولة، بل هي دولة تبحث عن كيان أمة. ويعتقد عبد الجبار في مقدمة كتابه "كتاب الدولة: اللوياثان الجديد": "المجتمع الممزق على أساس الهويات دون الهوية الوطنية، المحترب مع نفسه لن ينتج دولة. وكما قلت مرارا العراق بحاجة إلى أن يتصالح مع نفسه أولا. بخلافه لن تكون ثمة دولة".
منذ تأسيس الدولة في عشرينات القرن الماضي بقيت الفكرة الوطنية خجولة في مقابل الطروحات الأيديولوجية التي تريد تذويبها لصالح شعاراتها الرئيسة. وهذا ما فعلته الشعارات الماركسية، التي كانت تدعو للأممية، وتخون من يحصر فكرة الأولوية في الأوطان، وليس في مبادئ الحزب الذي تقوده دولة كبرى مثل الاتحاد السوفياتي سابقا.