مشاهد عديدة في الفيلم، تربط عبر المونتاج المتوازي بين رقص الحاج علي بالسكاكين، وهي فقرة مفضلة له في الاحتفالات الكبرى التي تمر بالوكالة، وبين اللكمات التي يوجهها بكر الى أخصامه (كأن الولد سر أبيه) ولا بد أن يخرج منها منتصرا، ولافتا إليه أنظار الحسناوات (كما ينبغي لبطل سينمائي بالضبط). على الجانب الآخر، ثمة قمر، تلعب دورها زينة، وهي حبيبة بكر، وابنة أحد تجار الأنفوشي، زملاء الحاج علي. لكن الأخير يحول دون إتمام زواج الحبيبين ما دام أن بكر لم يمتثل لأوامره بالعمل معه في الوكالة.
في لحظة معينة يُصاب بكر باليأس، ويتعرض للإذلال على يد أبيه أمام الملأ، لأنه "اقترض" مبلغا من خزينة المحل، من دون علم أبيه، ووشى به ابن عمه يونس، يلعب دوره محمود حافظ، ذلك الشاب المطيع المهذب الذي تبنى بدلا منه أعمال الوكالة وبرع فيها، والذي أعلنه علي ابنا له، نكاية بوحيده بكر.
هكذا يتشكل ثأر لدى بكر، من أبيه نفسه، ومن ابن عمه الواشي، ومن الإسكندرية كلها بشكل ما، فيغادر مقررا أن يعود إليها ذات يوم غانما ومنتقما. حتى هذا الحد، أي حد الصراع بين الأب وابنه، وهو صراع يصل إلى القتال غير المباشر، لكن أيضا المباشر ولو بدرجة ما، كان يمكننا تلمس روح أسامة أنور عكاشة. بكر يبحث عن ذاته، تتنازعه قوتان، الخير والشرّ، والدراما أن نرى أي قوة منهما ستنتصر.
سوى أن خالد يوسف يلتقط هذه الثيمة العكاشية ويبني عليها عوالمه المعتادة. عوالم عضلات الذكور وأموالهم التي تشتري عادة مفاتن الإناث، والكاميرا التي تتتبّع ذلك بأكبر قدر ممكن من التركيز، على الطريقة القديمة التي كانت ترضي بها أفلام السبكي جمهورها الشعبي في الأخص. يعمل يوسف على مطّ الصراع الخارجي في حياة بكر، مع أن صراعه الأساسي داخلي كمعظم أبطال أسامة أنور عكاشة. يتورط بكر الفتَّاك مع المافيا الإيطالية، ويقتل أعتى رجالها بالضربات القاضية، وبهذه الطريقة يحقق ثراءه الفاحش، بناء على سرقة يظن أنه سيُفلت منها. وتسمح هذه الأجواء كلها، بأجواء الكونغ فو والملاكمة بمؤثراتها الصوتية التي تُذكّرنا بأفلام يوسف منصور التي اجتاحت لفترة من الزمن سوق شرائط الفيديو في أعوام التسعينات بمصر، ثم سقطت من الذاكرة.
أما الجانب الكوزموبوليتاني للإسكندرية (فهكذا اعتدنا التنميط في الحديث عن المدينة)، فتعبّر عنه قصة الخواجة يورغو، الذي يؤديه حسين فهمي، وهي قصة لعلاقة حميمة مع جيرانه من تجار الأنفوشي، وقصة لجدعنته ورفضه أن يُلقَّب بالخواجة، إلى كل ما يسهل جدا توقعه في مثل هذه الأحوال عن قصة مشابهة.
المسألة أن تأثير هذه القصة، التي تضمنت قفشات أضحكت فعلا الجمهور في لحظات معينة، قد عمقت الشعور بالمسافة من الأحداث ومن المكان معا. ثمة شيء مفتعل، وركاكة سينمائية واضحة دفعت بعض مشاهد الميلودراما، لأن تتسبب بدلا من البكاء، بالضحك في الصالة. وهو تأثير قطعا لا يريده أي مخرج مبتدئ، ويجعل من الصعب تقييم أداء الممثلين بإنصاف، مهما اجتهدوا. هذه الركاكة تجلَّت منذ اللقطة الأولى التي ظهر فيها ذلك الجاسوس الإيطالي إذ لحق ببكر من إيطاليا، فضحك الناس في الصالة على تنكّره المريب، وتكرّرت مع حركة الكاميرا لاستعراض ثراء بكر الفاحش لحظة وصوله إلى الإسكندرية، ومع الحديث عن فحولته الجنسية، وفي مشهد سقوط صديقه صريعا إثر إحدى المعارك الكبيرة، وهذه ليست سوى أمثلة.
الجنسية: إسكندراني
لا يخلو الفيلم من إسقاطات تتعلق بالوضع الحالي في مصر. نسمع على سبيل المثل أحد التجار يعلّق على تصرفات بكر قائلا: "دي نوَّة براني كفيانا كلنا على وشنا"، في إشارة إلى الخوف الذي يحكم الجميع في التعامل مع بكر بميله إلى البطش بمن يخالفه. ومن المفترض أن "الإسكندراني" يحمل رؤية سياسية ما، سواء جاءت من عند عكاشة أو من عند خالد يوسف. يُبيِّن الفيلم فشل أساليب الإدارة وحتى التربية القديمة، فالحاج علي لم يعد يستطيع، وفقا للفيلم، أن يدير وكالته بالأسلوب الماضوي الإحساني نفسه الذي أصبح يضاعف خسائره. وهناك وجاهة لا تُنكَر في قول بكر، بعد عودته من إيطاليا، بوجوب إحداث التغيير. فنحن لا يمكننا أن نظل متمسكين بالقديم، إخلاصا فقط للنوستالجيا، والفكرة التي يجسدها الحاج علي، لا يمكن أن تعبّر عن أي فكر عاقل. لكن الفيلم في المقابل لا يقدّم أي رؤية بديلة لذلك الماضي، ناهيك عن انتقادها حتى، ويبدي بكر مجرد بطل تراجيدي، ضحية خالصة لنفسه، صعد وسقط بسبب طموحه الشخصي، وليس بسبب هذا الأب، وذلك السياق الزمني نفسه.