تعكس الحركية الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب تجاه القارة السمراء، احتدام التنافس بين البلدين لتحقيق أكبر قدر من التأثير في الفضاء الأفريقي الذي أصبح حقلا خصبا للاستثمارات، وبإمكانه قيادة العالم بأسره. فأفريقيا مثلا تمتلك نصف احتياطي الذهب في العالم كما أنها تستحوذ على حوالي 15 في المئة من احتياطي النفط العالمي، إضافة إلى 32 في المئة من احتياطي الثروة المعدنية.
المحاولات االمغربية لمزاحمة الجزائر في العمق الأفريقي تحولت اليوم إلى مواجهة دبلوماسية مكشوفة. فبعد أيام قليلة فقط من الزيارتين المنفصلتين اللتين قام بهما تباعا كل من وزير خارجية موريتانيا ثم رئيس برلمانها، وأجريا مباحثات مكثفة مع مسؤولين في الجزائر وحرص الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على استقبالهما، جرى استقبال محمد سالم ولد مرزوق وزير الخارجية الموريتاني في الرباط من طرف وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
اهتمام لافت بالعمق الأفريقي
ويبدو اليوم أن كل طرف من الجزائر والمغرب يسعى جاهدا إلى ترسيخ علاقاته في القارة السمراء ودعم نفوذه في العمق الأفريقي لأهداف سياسية واقتصادية بحتة، إضافة إلى تمتين العلاقات مع الجنوب الذي أصبح ضيفا خفيف الظل ومرحبا به من طرف كثير من القوى العالمية الكبرى لا سيما الولايات المتحدة وروسيا والصين وغيرها. ولكل من هذه الدول طريقة تعاطٍ دبلوماسية خاصة مع أفريقيا. فهناك من ينظر إليها على أنها سوق العالم القادم، أو كنز "علي بابا"، لاحتوائها على أغنى المواد النفيسة والنادرة، وهناك من يريد توظيفها سياسيا.
ويبدي الرئيس تبون منذ وصوله إلى سدة الحكم في البلاد، اهتماما غير مسبوق بالعودة إلى القارة السمراء بعد انحسار لافت خلال العقدين الماضيين، وحشدت لهذا آلة دبلوماسية ضخمة واستحدثت مناصب جديدة من المستشارين وممثلين نيابة عن الرئيس، ورصد لهذا الغرض أيضا مبلغ مالي يعادل مليار دولار في صندوق وكالة صندوق التضامن والتعاون الدولي المستحدثة في السنوات الأخيرة، من أجل استثماره في القارة السمراء.
لكن وعلى ما يبدو فإن الطريق لن تكون معبدة أو مفروشة بالسجاد الأحمر، فالعراقيل موجودة والصعوبات حاضرة في ظل السعي المغربي للتقارب مع دول العمق الأفريقي وأيضا في ظل وجود منافسة قوية من طرف قوى إقليمية ودولية.