برهان سونميز: بيئتنا الأولى هي أساس خيالناhttps://www.majalla.com/node/310326/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%A8%D8%B1%D9%87%D8%A7%D9%86-%D8%B3%D9%88%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%B2-%D8%A8%D9%8A%D8%A6%D8%AA%D9%86%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89-%D9%87%D9%8A-%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%B3-%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7
درس الروائي التركي ذو الأصول الكردية برهان سونميز المولود عام 1965، الحقوق بجامعة إسطنبول وهو يعمل محاميا لحقوق الإنسان، كما يشغل منصب رئيس مؤسسة "بن" العالمية المعنية بالأدب وحرية الرأي. صدرت له خمس روايات هي "الشمال"، "الخطايا والأبرياء"، "إسطنبول إسطنبول"، "المتاهة"، و"الحجر والظلّ". حصل على جوائز أدبية مرموقة مثل جائزة أورهان كمال، في 2022، التي تعد من أهم الجوائز الأدبية في تركيا، وجائزة مؤسسة مكتبة فاتسلاف هافل عام 2017 لجرأته في طرح قضايا حقوق الإنسان في رواياته. ترجمت أعمال سونميز الأدبية الى أكثر من 40 لغة من بينها اللغة العربية. هنا حوار معه.
بدأتَ بكتابة روايتك الأولى أثناء إقامتك في المنفى، ومنذ ذلك الحين اخترت أن تناقش في عملك الأدبي نضال الأفراد ضد الأنظمة القمعية والبحث عن الهوية من خلال المظاهر الاجتماعية والسياسية المتغيرة. كيف أثّرت هذه الخلفية على كتاباتك؟
تتشكل هويتنا من خلال التجارب التي مررنا بها والأفكار التي طورناها بتأثير كل شيء حولنا، بما في ذلك المجتمع والتاريخ والكتب. عندما أكتب، لا أضع في ذهني أي نية للكتابة في اتجاهات معينة، أتبع فطرتي وخيالي فحسب، وهما على كلّ حال ليسا سوى انعكاس لشخصيتي التي تشكلت عبر تاريخي الشخصي.
منذ ولادتنا، نجمع الأصوات والروائح والألوان. وكل شيء في هذه الحياة يتشكل بجوانب مختلفة في ذاكرتنا
ناقشتَ في روايتك الأخيرة، "الحجر والظل"، التعقيدات الاجتماعية والثقافية في تركيا خلال فترة الثلاثينات من القرن الماضي حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أخبرنا المزيد؟
حاولتُ في هذه الرواية أن أصوّر شريان الحياة للإنسان كانعكاس للمجتمع الذي يعيش فيه. كيف نتشكل ونتأثر بالظروف التي تحيط بنا، وكيف نوجّه مصيرنا على الرغم من كل الصعوبات التي تحيط بنا؟ أردت أن أرى مدى ارتباط مصير الشخص بمصير البلد، وإلى أي مدى يمكن أن يتحرّر واحدهما من الآخر. لهذا السبب رويتُ قصة رجل مسنّ، تابعت حياته منذ الطفولة طوال القرن العشرين، وعكست العديد من الأحداث الثقافية والسياسية التي ظهرت في الشرق الأوسط وأوروبا.
"أنا لا أخاف من الموتى، أنا خائف من الناس في تلك المنازل"، يقول أفدو، بطل روايتك "الحجر والظل" الذي عاش في المقبرة أكثر من عشرين عاما. استخدمتَ أصوات الأحياء والأموات للحديث عن أبناء القبائل الذين وقعوا ضحية العثمانيين. كيف أعددت الجزء التاريخي من الرواية؟
كان الجزء التاريخي هو المهمة الصعبة في هذه الرواية. على الرغم من أنني كنت على دراية بالعديد من الأحداث التي رويتها في النص، إلا أنني كنت بحاجة إلى التعمق وتوسيع وجهة نظري من خلال القراءة والبحث التي تمنح الكاتب السعادة. لأن القيام بالبحث من أجل كتابة رواية يمنحني المتعة والطاقة دائما.
الأمكنة
في روايتك الشهيرة، "إسطنبول... إسطنبول"، استخدمتَ التفاصيل الحسية من مشاهد وأصوات وروائح المدينة القديمة، لماذا يتعلق الناس بالمدن القديمة مثل إسطنبول والقاهرة ودمشق أكثر من المدن الحديثة؟
الثقافة ليست شيئا يمكن وصفه في الأبحاث الأكاديمية. إنها شيء حي، يعيش معنا وفينا. نحن، منذ ولادتنا، نجمع الأصوات والروائح والألوان. وكل شيء في هذه الحياة يتشكل بجوانب مختلفة في ذاكرتنا. الأماكن التي نحن جزء منها، مثل قريتنا أو مدينتنا، تحفر أيضا في أرواحنا، ولها اتصال خاص بعقولنا وقلوبنا. لهذا السبب، كل شخص لديه طريقة مختلفة للارتباط بالمكان الذي يعيش فيه، لأن كل شخص لديه سيكولوجيا مختلفة، لذلك تنمو مدينتنا بسيكولوجيا خاصة في روحنا.
كيف يمثل السجناء الأربعة الرئيسيون في الزنزانة السرية – دميرتاي، الطبيب، كامو، والعم كولان – جوانب مختلفة من المجتمع التركي؟
لا أود التعليق على هذا الجزء، لأنني أريد لشخصياتي أن تتحدث عن نفسها وأن يكون لكل قارئ تفسيره الخاص لكل قصة. أعتقد أن هذا هو الحد الذي يجب عليّ، كمؤلف، أن أتوقف عنده وألا أقول شيئا.
شهدنا إلغاء حفل كاتبة فلسطينية في معرض فرانكفورت للكتاب، فضلا عن مقتل عشرات الكتّاب والصحافيين على يد الجيش الإسرائيلي في غزة، كرئيس لـمؤسسة "بن" العالميةالتي تناضل من أجل حرية التعبير بالإضافة الى كونك محاميا في حقوق الإنسان، كيف ترى القيم المزدوجة في المجتمعات الغربية؟
كنت في معرض فرانكفورت للكتاب عندما ألغي تكريم عدنية شلبي. انتقدت والعديد من الكتّاب والمنظمات ذلك التصرف على الفور ودافعنا عن حريتها في التعبير. من المؤسف أننا في هذا العصر نرى نهجا يكيل بمكيالين في كل بلد تقريبا، بما في ذلك في بلدي تركيا. ونحن ككتّاب ومثقفين نرفض هذا التوجه وندافع عن حرية التعبير للجميع. الدعوة إلى المقاطعة الثقافية أو حجب كتاب سياسة خاطئة، لكننا رأينا ذلك في كل مكان من العالم، في أوكرانيا، في الولايات المتحدةالأميركية، أو في الشرق الأوسط. أعتقد أن الثقافة والأدب يجب أن يظلا دون مساس، ويجب علينا أن نبني جسرا بين الأمم والمجتمعات. لأن الحرب والكراهية تفرقان الأمم دائما، بينما نحتاج إلى التفاهم والتسامح والحوار من أجل مستقبل يسوده السلام والمساواة.
الشعر
قبل أن تكتب روايتك الأولى، "الشمال"، كتبتَ الشعر، هل تعتقد أن الشعر هو البوابة الأولى لكتابة الرواية؟
القصيدة هي أم الأدب، والشعر معنا دائما، حتى عندما لا ندركه. صحيح أن هناك العديد من الكتّاب الذين ليس لديهم أي صلة بالشعر قبل أو أثناء تأليفهم للروايات. لكنني أنتمي إلى المجموعة الأخرى من الكتّاب الذين يعتبرون كل شكل من أشكال الأدب بمثابة براعم الشعر.
التأثير على فكرنا وخيالنا يأتي من الأشياء التي نتعلمها من الكتّاب الآخرين
أنت كاتب كردي، لكنك تكتب باللغة التركية. حدِّثني عن تأثير اللغة في انتشار رواياتك؟
أكتب باللغة التركية لأنها اللغة الرسمية التي تعلمنا بها. كانت لغتي الأم محظورة ولا تستخدم في التعليم. لهذا السبب لم يكن أمام جيلي خيار آخر سوى الكتابة باللغة التركية فقط. أعتقد أن كل لغة لها جمالها الخاص. كما أن اللغة التركية لها جمال خاص لا ينعكس في اللغات الأخرى. لكن سؤالك هذا يسعدني، لأن هناك أخبارا جديدة أحب أن أشارككم إياها هنا. بعدما كتبتُ خمس روايات باللغة التركية، قرّرت الكتابة بلغتي الأم، الكردية. روايتي الكردية الأولى بعنوان "عشاق فرانز ك". ستنشر الشهر المقبل. إنها قصة عاشقين انضما إلى جماعة مقاومة خلال الانتفاضة الطالبية عام 1968 في باريس. تدور أحداثها في برلين الغربية وباريس وإسطنبول. لا أعرف كيف سيكون رد فعل الجمهور في تركيا، لأنني لجأت إلى اللغة الأم وبدأت الكتابة باللغة الكردية. ولأن حقوق الشعب الكردي هي قضية خطيرة، وهي حاليا أكبر صراع سياسي في تركيا.
ولدتَ في قرية كردية صغيرة وكانت والدتك تحكي لك القصص. هل عززت نشأتك خيالك الإبداعي؟
نعم، في الواقع، لقد أثرت هذه القصص مخيلتي كثيرا. تحدثنا عن المدن التي تتشكل بالألوان والأصوات والروائح في أذهاننا، يحدث الشيء نفسه بالنسبة إلى الطفولة، ووربما بصورة حاسمة أكثر. بيئتنا الأولى، حيث ولدنا ونشأنا، هي أساس خيالنا وأحلامنا.
كيف يلهمك الكتّاب الآخرون؟
التأثير على فكرنا وخيالنا يأتي من الأشياء التي نتعلمها من الكتّاب الآخرين. وأشعر بالامتنان لأن لدينا كتبا لا تعدّ ولا تحصى، كتبت عبر تاريخ البشرية الطويل. من قصص ألف ليلة وليلة إلى مسرحيات شكسبير، نعيش في محيط من الكتب. لقد تأثرت بالعديد من الكتاب، من دوستويفسكي إلى ماركيز. أعتقد، على عكس بعض الكتّاب، أن التأثر بالإبداعات العظيمة في الأدب هو أمر يجب الاستمتاع به والعمل عليه.
هل لديك روتين معيّن للكتابة؟
قد يتغير روتين كتابتي اعتمادا على حياتي في وقت الكتابة. يمكنني التكيف بسهولة مع الظروف الجديدة. وبما أنني أعاني من مشكلة الأرق حاليا، أستغلها كميزة وأكتب خلال الليل. أظل ساهرا في الظلام من أجل كتابة القصص.