أتى حدث السابع من أكتوبر/تشرين الأول والحرب على غزة وتداعياتها الإقليمية والدولية، لتقدم برهانا إضافيا على الانكشاف الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي وعدم القدرة على الارتقاء إلى مصاف القطب الجيوسياسي القادر.
وهذا التهميش لا يعود فقط إلى الاصطفاف وراء الولايات المتحدة، بل أيضا إلى انقسامات لها أبعاد تاريخية وهيكلية وآنية. ومن هنا يصح التساؤل إذا كانت خطة حل الدولتين التي أقرها الاتحاد الأوروبي يمكن أن تكون المدخل إلى استعادة بعض الدور المفقود في الشرق الأوسط وجنوب وشرق المتوسط في مناطق حيوية استراتيجيا واقتصاديا بالنسبة لأوروبا، أو هل ستمنع ديناميكيات الصراع والعقبات القائمة من تحقيق هذا التوجه؟
أوروبا القارة القديمة "خارج التاريخ"؟
جرى التعويل طويلا على دور متوازن وضروري للاتحاد الأوروبي في المعادلة الدولية. لكن تعذر ذلك بسبب الضعف البنيوي الناتج عن غلبة الطابع الاقتصادي والانكشاف الاستراتيجي- السياسي.
منذ قرن من الزمن كان الشرق الأوسط تحت النفوذ الأوروبي خاصة بعد قيام بريطانيا وفرنسا بإعادة تركيب المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى وأفول الإمبراطورية العثمانية. لكن منذ حرب السويس في 1956، بدأ كسوف الدور الأوروبي في هذا الجزء من العالم واستمر طويلا بالرغم من الحجم الكبير للمصالح المتبادلة.
حاليا، في مواجهة تطورات الشرق الأوسط، برهن القادة الأوروبيون عن عدم القدرة على الاستجابة الجماعية للأزمة (كما في أزمات أخرى مماثلة أو أقل عنفا) ويبدو أن شعار "في الوحدة قوة" لم يكن ناجعا عكس ما تمناه الذين أسسوا الفكرة الأوروبية على أساس الوصول إلى تقاسم التنمية والنمو. حيث انطلق هؤلاء من مقولة إن الدول الأوروبية القديمة ستصبح صغيرة مع التطور الجيوسياسي، ومن ناحية المساحة والسكان والناتج المحلي الإجمالي، وستكون في لحظة ما خارج التاريخ. وبالتالي فإن الخلاص يكمن في إنشاء "قوة أوروبية"، لتصبح الكيان الوحيد القادر على التأثير في عالم الغد وطي التناحر الأوروبي الداخلي المزمن وبناء السلام والاستقرار والازدهار.