تشاء المصادفة التاريخية أن تجتمع في لحظة انتخاب نواف سلام رئيسا لـ"محكمة العدل الدولية" الأبعاد الثلاثة في شخصيته وسيرته السياسية والدبلوماسية والمهنية. فسلام بحسب توصيف أصدقائه ومعارفه "لبناني- عربي منفتح على الغرب"، أو بصيغة أخرى هو "لبناني منفتح على الغرب، متجذر في عروبته"، وبذلك فإن الانتماءات الرئيسة لنواف سلام تتوزع على مستويات ثلاثة: انتماء لبناني، انتماء عربي (وفلسطيني) وانتماء للعالم.
وإذا كان سلام مدركا بالتأكيد لأهمية "إدارة" هذه الانتماءات الثلاثة وتوظيفها في مسيرته ذات المستويات المتعددة لكن المتداخلة فيما بينها، فإن الأكيد أيضا أنه مدرك أن لحظة انتخابه على رأس "العدل الدولية" هي لحظة تقاطع استثنائية بين انتماءاته الثلاثة تلك، بل هي لحظة لا تتكرر لتوظيفها في خدمة القضايا التي يؤمن بها والمدفوعة أساسا بانتماءاته تلك.
لكن لحظة انتخابه بكثافتها العربية- الفلسطينية والدولية تدفع إلى تأجيل التفكير في انتمائه اللبناني، ليس لأن انتماءه هذا هامشي، بل لأن انتماءاته الأخرى، وبحكم اللحظة، تتقدم على انتمائه "الأصلي" ولو كان التداخل بين انتماءاته كلها محكما بحيث لا يمكن الفصل بين واحد وآخر. لكن اللحظة الآن هي لحظة عربية- فلسطينية أكثر منها لحظة لبنانية. وهذا ترتيب ضروري لـ"فهم" انتخاب نواف سلام خشية أن يدفع تقديم انتمائه اللبناني إلى الغرق في "التفاصيل اللبنانية". وبذلك فإن عرض سيرة نواف سلام سيكون عرضا معكوسا يبدأ من لحظة انتخابه رئيسا لـ"العدل الدولية" وصولا إلى نشأته في أحد أقدم البيوتات السياسية البيروتية اللبنانية، آل سلام، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه المنهجية لعرض سيرته و"تحليلها" محكومة بالمرونة بالنظر إلى تداخل أبعاد شخصيته وسيرته، إذ يصعب الفصل بينها أو تناول أحدها بمعزل عن الآخر تماما.