لجأ مير باروخين إلى "فيسبوك" لمشاركة ما يدور في خلده، وهو يشاهد مناطق سكنية بأكملها تدمر في غزة، وعائلات تباد بأكملها، ومباني حيوية تتحول إلى ركام ودخان، إثر الغارات الجوية الإسرائيلية.
كانت الإنسانية وحدها حافزه ضد ما يصفه بجرائم الحرب التي يرتكبها جيش بلاده ضد المدنيين الأبرياء ردا على هجمات "حماس" في العام الماضي، عندما اجتاح المسلحون مجتمعات مدنية في جنوب إسرائيل، وبعد يوم واحد فقط من تلك الهجمات.
وعبّر باروخين، مدرس مادة التاريخ في المدارس الإسرائيلية منذ 35 عاما، عن تعاطفه مع المدنيين الفلسطينيين في غزة عبر منشور على صفحته في "فيسبوك"، فكان أن قلب هذا المنشور حياته رأسا على عقب منذ ذلك الحين.
في 8 أكتوبر/تشرين الأول، كتب باروخين، إلى جانب صورة تظهر جثث خمسة أطفال صغار من غزة: "صور مروعة من غزة. عادة ما أمتنع عن مشاركة مثل هذا المحتوى، ولكن انظروا ماذا نفعل من أجل الانتقام. أي شخص يعتبر ذلك مبررا في ضوء أحداث الأمس (7 أكتوبر)، عليه أن يحذفني من قائمة الأصدقاء".
أثار هذا المنشور رد فعل عنيفا وواسعا، وجاءته ردود عنصرية في الغالب تجاه الفلسطينيين ومليئة بالألفاظ النابية الموجهة إليه.
يسلط باروخين الضوء على التداعيات الاجتماعية والاقتصادية الشديدة في إسرائيل بالنسبة لأولئك الذين يظهرون أي نوع من التعاطف أو الشفقة مع الفلسطينيين في أعقاب هجمات "حماس" في 7 أكتوبر. وتدافع الحكومة الإسرائيلية عن تدقيقها في التعبيرات العامة، مشيرة إلى ضرورة حماية الأمن القومي من "التحريض" لأن البلاد في حالة حرب.
وفي مقابلة أجرتها "المجلة" مع باروخين عن بُعد من منزله في القدس، قال لنا: "بالنسبة لكثير من الإسرائيليين، صورة الفلسطيني غامضة، وترتبط على الفور في أذهان الإسرائيليين بالإرهاب. ليس للفلسطينيين اسم ولا وجه ولا أسرة ولا أمل ولا خطط، مما يجعل حياتهم– في نظر معظم الإسرائيليين– بلا قيمة. لذا فإن ما أحاول القيام به في صفحتي على "فيسبوك" هو إضفاء طابع إنساني على الفلسطينيين، إعطاؤهم أسماء، وتزويدهم بالهويات والقصص، على أمل أن يعترف بهم المزيد من الإسرائيليين باعتبارهم إخوانهم في الإنسانية، وينخرطون في حوار سلمي. وحتى وسائل الإعلام الإسرائيلية الرئيسة تساهم في ذلك، ولا تقدم الفلسطينيين كبشر، بل كمجرد إرهابيين. هذا هو الصوت الوحيد الذي يسمعه أو يراه معظم الإسرائيليين، وأنا أحاول أن أفعل خلاف ذلك".