لا أعرف لماذا ينشغل الوسط الثقافي المغربي بالخلافات المعلنة بين قيادة اتحاد كتاب المغرب وبعض أعضائه، وهم يعرفون أن زمن الاتحادات الأدبية الشمولية الرسمية، أو شبه الرسمية، قد ولى ولم تعد تُعقد اجتماعاتها ومؤتمراتها إلا للتذكير بشعاراتها القديمة منذ أن تأسست والتي يعتقدون أنها تؤرق نوم الإمبرياليين والمتآمرين والعملاء الحاقدين على الثقافة العربية.
منذ أكثر من عشر سنوات ونحن نقرأ عن خلافات بين قيادات اتحاد كتاب المغرب، أدت إلى تجميد عضوية هذا الاتحاد في الاتحاد العام للكتاب العرب ثم العودة إليه قبل أن ينشب خلاف جديد. ويندهش القارئ غير المغربي، كيف لبلد تزدهر فيه الكتابات الفكرية والأدبية تصبح حالته الثقافية الظاهرة محصورة في صراعات على سلطات إدارية لمؤسسة شبه وهمية في فعاليتها ومنجزها.
فاتحادات الأدباء والكتاب العرب ظلت دائما خارج الفعل الثقافي المحقق باستثناء إقامة ندوات لا أهمية لموضوعاتها أو إصدار مجلات وكتب لا تُقرأ، وقد صار كثيرون من القراء يتحاشون حتى المرور بأجنحة الاتحادات في معارض الكتب خشية أن يحصلوا على إصدارات مجانية منهم يثقل حملها عليهم أثناء العودة إلى المنازل، إذ يدركون مسبقا أن لا أهمية لها، مثلها مثل معظم مطبوعات وزارات الثقافة العربية.
اتحادات الأدباء والكتاب العرب ظلت دائما خارج الفعل الثقافي المحقق باستثناء إقامة ندوات لا أهمية لموضوعاتها أو إصدار مجلات وكتب لا تُقرأ
في ستينات وسبعينات القرن الماضي نشأت معظم هذه الاتحادات وما زلنا إلى يومنا هذا نسمع ونقرأ البيان نفسه مع كل اجتماع عام لها، فنجد مفردات "القرارات" و"التوصيات" والتأكيدات على "ثوابت الهوية والقيم" و"الذود عن الهوية وصون الثوابت" و "رص الصف" و"تفعيل العمل الثقافي العربي المشترك" و"تعزيز..." و"تفعيل..." و"ضرورة...". إلى آخر ما يلزم من تكرار للخطابات السياسية الرسمية من إدانة وشجب وتثمين عال. ويمكن توقع العبارات المعتادة عن أهمية نشر الكتب وترجمة الأدب العربي وعقد ندوة عن أدب الطفل.
ولم تكن افتتاحيات صحيفة اتحاد الكتاب العرب في دمشق "الأسبوع الأدبي" تتخلى عن دورها المعروف بمهاجمة الإمبريالية وحلفائها، في الوقت الذي يتصاعد فيه أنين الأدباء والكتاب والمفكرين في السجون السورية والعربية دون أن يسمعها أحد من قيادات هذه الاتحادات. فلم نقرأ بيانا لاتحاد يحتج أو يعترض على سجن كاتب أو عرقلة سفره أو وضعه في القائمة السوداء أو حتى مصادرة كتاب له.
مع هذا، وبحكم معرفتي بتاريخ اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وحاله يمكن أن نستثني مرحلة من تاريخه كان فيها مدافعا عن حرية الكتاب ليس في اليمن، بل وفي معظم البلدان العربية. ففي السبعينات والثمانينات لم يكن الاتحاد ليتراجع عن إصدار بيان يندّد فيه باعتقال كاتب أو مثقف في أي عاصمة عربية متكئا على هامش الاستقلالية الذي منحته إياه سلطتا جنوب اليمن وشماله قبل الوحدة (1990)، حيث كانت عدن وجهة مرجوة لكل اليساريين والتقدميين العرب.
·ليس من حل لاهتراء هذه الاتحادات سوى حلها وإقامة جمعيات وروابط بديلة لها تسير أنشطة ثقافية محددة
في ذاكرتي الكثير من تلك البيانات، أو البرقيات السريعة التي كان يصدرها الاتحاد، منها برقية من سطرين بعث بها عمر الجاوي الأمين العام لاتحاد أدباء اليمن للرئيس السوداني عمر البشير فور اعتقال سلطاته لأحد الشعراء، جاء فيها أن اعتقاله "بشير" بسقوط السلطة. وفي اليمن كان هذا الصوت عاليا مع أن الاتحاد خضع لاشتراطات سياسية في بعض المراحل قبل أن يُدجن ويصبح مثل أي اتحاد آخر. وأذكر أن البعض اقترح عمل بيان يندد باعتقال الروائي السوري نبيل سليمان، فقيل يومها إن هذا من اختصاص اتحاد كتاب سوريا وإنهم لا يستطيعون تجاوز ذلك، وحينها نُشر عن تواطؤ قيادة الاتحاد السوري باعتقال سليمان.
ليس من حل لاهتراء هذه الاتحادات سوى حلها وإقامة جمعيات وروابط بديلة لها تسير أنشطة ثقافية محددة أو تنهض في الدفاع عن حرية الكتاب وحقهم في التفرغ للكتابة أو في الضمان الاجتماعي والصحي والدفاع عن عدم مصادرة الكتب أو منعها. ولا يفترض أن يُحصر التمثيل للكتاب في جمعيات محددة، بل يمكن انشاء أكثر من جمعية في المدينة الواحدة.
فالاتحادات هي نتاج لمؤسسات وسلطات شمولية، لا تنفع معها الدعوات إلى انتخابات إدارية ديمقراطية يسبقها تراشق بالبيانات والاتهامات. فالدفاع عن الحريات الأدبية يلزمه الاستقلال وهو أمر غير متوافر في الاتحادات العامة. كما أن القوة المتماسكة المرجوة من أي اتحاد قد تتحول إلى خنق للفعالية الأدبية نفسها وتذهب بالجميع نحو صراعات حول سلطات صغيرة، أصغر من صفاتهم ككتاب لكل واحد منهم منجزه الخاص الذي يعتز به ويعيش منه.