ابتُكرت على مر عقود وقرون مصطلحات ومفاهيم ومؤسسات عدة في حقول السياسة والعلاقات الدولية، كان الهدف منها تطوير العمل المستهدف أو المطلوب إن كان اقتصاديا أو اجتماعيا وسياسيا، مع الوقت حُوّر دور وعمل هذه المصطلحات والمفاهيم، حتى إن بعضها مُسخ، لتتحول إلى نقيض لفكرتها الأساسية التي لأجلها نُحتت باللغة والشكل والمضمون.
خلال العقود الأخيرة برزت المنظمات الأهلية غير الحكومية، وتحولت من عمل مباشر إلى الدور الفاعل والتغييري في المجتمع، بمصطلح بارز (Non-Governmental Organizations) بالإضافة إلى الجهات الفاعلة غير الحكومية (non-state actors)؛ فالمنظمات غير الحكومية المتعارف عليها (NGO) موجودة وبكثافة داخل مجتمعاتنا لا سيما في العالم العربي، وتأتي من حيث المبدأ كطرح لفقدان المؤسسات الحكومية الرسمية للخبرات والطاقات المطلوبة للعمل على ملفات تقنية تدخل في صلب الحوكمة الصالحة.
أما الجهات الفاعلة غير الحكومية، فإن الاختلاف بين تعريفها الرسمي ودورها الحقيقي متفاوت لحد كبير، لاسيما أن التعريف العلمي لتلك الجهات أنها كيانات دولية عابرة للدول، وتستطيع- بسبب ثروتها وتأثيرها السياسي- السيطرة على دور "الدولة الوستفالية" التقليدي.
لعل التأثير الأكبر لتلك الجهات الفاعلة يبقى للكيانات التي تتبنى طرقا غير "حوكمية" أو سلمية، مثل العسكرة والعنف في مناصرة أيديولوجيات سياسية ودينية ومذهبية ضيقة، ما يضع المجتمعات أمام تحديات كبيرة تمر بها، والمثال على ذلك تجربة العالم العربي خصوصا والشرق الأوسط عموما، فمنذ عقود تمر المنطقة بتحدٍ غير عادي منذ قيام الثورة الخمينية في إيران سنة 1979، من حيث بناء شبكة من الميليشيات التابعة لها والمنتشرة في المنطقة وعدد كبير من دول العالم، قادرة على خطف سيادة الدول الأخرى كما حصل بعد الغزو الأميركي للعراق سنة 2003 والذي برز معه ما يسمى "الهلال الشيعي" الممتد من طهران إلى البحر المتوسط، ويقوده الحرس الثوري الإيراني، وفيه جهة رئيسة فاعلة وعنيفة تعتبر الأبرز في هذا المحور، وهي "حزب الله".
البحث عن الشرعية
برز دور الجهات الفاعلة العنيفة كجزء من استراتيجية الحرب الباردة، وهي خطوة انتهجها الاتحاد السوفياتي، تحت ذريعة تصدير الثورة ونصرة الشعوب المستضعفة ضد النظام الرأسمالي العالمي، خلال تلك العقود عمد الاتحاد السوفياتي إلى تمويل الكثير من الجماعات المعترضة على شرعية الأنظمة القائمة في بلدانها، فبرزت تلك المجموعات والتنظيمات، من خلال التمرد والعسكرة لتقود ما سمي "حركة التحرر العربي والعالمي"، تحت عنوان الانتقال- نظريا- إلى الديمقراطية الشعبية، وهي عملية فشلت لعدة اعتبارات، وأهمها تحالف المعسكر الشرقي مع كثير من الأنظمة القمعية حول العالم.