دشنت عملية "حماس" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول في غلاف غزة بنجاحها التكتيكي وفظاعاتها الإنسانية، كما الرد الإسرائيلي الواسع والقاسي عليها، تحولات مفاجئة وجدية في الفهم السياسي الغربي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي المزمن وسبل حله.
هنا يبدو لافتا الاستعداد المتزامن، البريطاني- الأميركي، للاعتراف بدولة فلسطينية قابلة للحياة، من دون الإشارة إلى ربط هذا الاعتراف بموافقة إسرائيل على إقامة هذه الدولة. يُعتبر هذا تطورا مهما، إذ قام التعاطي الغربي عموما مع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على ثنائية المسار الذي يتضمن التزامات متبادلة بين الطرفين عليهما تأديتها وصولا إلى الاتفاق النهائي بينهما على تشكيل دولة فلسطينية، بكل التفاصيل الأمنية والقانونية والسياسية والجغرافية التي يقتضيها هذا التشكيل.
كانت ثنائية المسار هذه هي المبدأ التعريفي الذي دُشن على أساسه مؤتمرُ مدريد للسلام في 1991 ليتواصل ويتسع هذا المسار فيما بعد عبر ترتيبات الفترة الانتقالية والالتزامات المتبادلة التي تضمنتها بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في اتفاقات أوسلو الأولى (الموقعة في واشنطن 1993) وأوسلو الثانية (الموقعة في طابا المصرية 1995).
على أساس مبدأ ثنائية المسار، حصلت إسرائيل عمليا على امتياز دعمه الغرب، وعلى الأخص الولايات المتحدة، أنه لا دولة فلسطينية مستقبلية من دون موافقة إسرائيل عليها. وفي آخر المطاف، فشل هذا المسار لأسباب كثيرة، الأبرز بينها هو التقويض المستمر والناجح الذي قامت به الجماعات الدينية- السياسية اليمينية المتطرفة على الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، التي عارضت حل الدولتين في إطار دوافعها المختلفة والمتشابكة، لكن المتخادمة أيضا. ساهم فشل هذا المسار في الصعود السياسي لقوى اليمين هذه على الجانبين، خصوصا في إسرائيل، فضلا عن "حماس" على الجانب الفلسطيني. استفادت الثانية من فشل تجربة الإدارة والحكم بقيادة السلطة الفلسطينية الرسمية التي تشكلت على أساس "اتفاقات أوسلو" كشريك لإسرائيل في المسار الثنائي، لتقدم "حماس" نفسها على أنها البديل المناسب والقوي الذي يستطيع أن يرد على تطرف اليمين الإسرائيلي في سياق صراع مسلح مفتوح ألغى عمليا مسار السلام الذي بدأ في مؤتمر مدريد.