يروي "جرس إنذار" قصة – لها حسب مقدمة الفيلم نفسه جذور من الواقع – مجموعة من الفتيات والمعلمات اللواتي يتعرضن للترويع بعد مرورهن بتجربة صادمة لحريق يندلع في مدرستهن ذات يوم من الأيام، بينما هن حبيسات بين جدرانها العالية وأبوابها الحديد ذات الأقفال الغليظة، أسيرات لنظام أمني منعدم. وإذ تبدو الأسباب التي أدت إلى نشوب هذا الحريق، في البداية غامضة، فإن سيناريو الفيلم يلملم العلل التي كان قد مهد لها من قبل، ويضعها في سياقها الكبير. وكأنه يجسد العبارة الشهيرة: "معظم النار من مستصغر الشرر".
مسرح الأحداث
ما يلفت الانتباه في "جرس إنذار" بداية هو هذه الأجواء اللطيفة التي يقدم بها شخوصه الرئيسة ويمرر بها ما يجب أن نعرفه، بالتقسيط، حول أنماط العلاقات داخل المدرسة. إننا نرى مشاكسات الطالبات بعضهن ضد بعض، مكايدتهن لمعلماتهن، أسئلتهن التي تتطابق مع حاجاتهن في هذه المرحلة العمرية. كأسئلة هبة في خصوص المساواة بين الرجال والنساء، وهو ما لا تستطيع "أبلة عفاف" الرد عليه، فتكتفي بتوبيخ الطالبة المتمردة.
إحدى أهم مميزات سيناريو هذا الفيلم، أنه لا يحكم على بطلاته من المراهقات، بل يمنحهن نوعا من حرية التعبير، ولتكفي الأحكام الموزعة هنا وهناك حولهن في مسارات الحياة الحقيقية. مثلا، هبة التي تتشكل سمعتها في المدرسة أساسا من كونها متنمرة ومسترجلة نوعا ما، لا يمكننا أن نتجاهل ما تشي بها العبارات الحوارية التي تنطق بها من ذكاء وقدرة على التمييز. ثمة أيضا منى التي تعاون هبة في أعمالها الشريرة الصغيرة، لكنها تتمتع بخفة ظل، ولديها ميول تكبتها المعلمات للرقص والغناء، تجعلها شخصية مقبولة مع ذلك. حتى مشاعل، التي تُعَد الضلع الثالثة في هذه العصابة، نفهم حيرتها بسبب انتمائها إلى طبقة اجتماعية أدنى، لأنها ابنة إحدى العاملات السودانيات البسيطات في المدرسة. باختصار، لا يصنع سيناريو هذا الفيلم من بطلاته ساحرات شريرات، بل صبيات في طور التشكل وسط انغلاق وسوء ظن ونوازع التجريب المرتبطة بالمراهقة.
إن الطريقة التي نتابع بها الأحداث التمهيدية في الربع الأول من الفيلم، تمنحنا شعورا بالطمأنينة، وبفضول لمتابعة شخصيات البطلات المراهقات من دون ترقب أحداث فاجعة، وكأنه "الهدوء الذي يسبق العاصفة"، أو بالأحرى "الهدوء الذي يسبق المحرقة". على هذا الصعيد، لا يبالغ المخرج خالد فهد وفريقه من صنّاع الصورة في الاستعراض البصري، لا على مستوى الكادر، ولا حركة الكاميرا، ولا ترتيب الأحداث، وذلك على العكس مما رأينا مثلا في "ناقة" أو في "راس براس". أسلوب سينمائي يمكن وصفه بالسهل الممتنع، جاء يخدم القصة التي يريد الفيلم أن يرويها. أيضا المونتاج، تبع السيناريو في تسلسله الكرنولوجي للأحداث، واستخدم "الفلاش باك" بحكمة، مخفيا عنا، من أجل تأثير الإثارة والغموض، بعض العناصر الأساسية في الحادثة، ومن دون أن ندرك هذا الإخفاء، إلا حين يفصح عنها بمهارة في الوقت الملائم من وجهة نظر السرد.
على المستوى نفسه، يجيء الديكور، إذ لا تتجول الكاميرا تقريبا في الشارع، إلا لحظة وصول الطالبات ولحظة خروجهن، بما يوافق طبيعة حياة النساء المراد التعبير عنها. الصورة محصورة بين الفصول أو في الساحة الضيقة للمدرسة، وفي غرف نوم الفتيات أو صالات المعيشة في بيوت الأهل. مما يخلق هذا الشعور المزدوج لدى المُشاهِد، أولا بالألفة والقرب، وثانيا بالحبسة والفجيعة حين تقع الواقعة.
في الجزء الثاني من الفيلم، تتضح أكثر الطبيعة المسرحية للفيلم. تضطر الفتيات بسبب أعمال ترميم مبنى المدرسة إلى حضور الحصص ليلا، وفي ديكور من أطلال مرمدة، تجري التحقيقات الداخلية التي تجريها مديرة المدرسة "أبلة حياة" من أجل الوصول إلى الحقيقة. وهي في هذه التحقيقات، تحاكم الفتيات، وتُصدر عليهن ما شاءت من أحكام، مما يحيلنا مجددا إلى روح المسرح.
عنف ضد النساء
يولي فريق عمل "جرس إنذار" اهتماما كبيرا للتعبير الإبداعي عن الحريق، في تتابع مميز. أولا تسير الكاميرا وراء ألسنة اللهب، وهي تنتشر بطريقة عشوائية مخيفة وتأخذ في طريقها أكشاك الكهرباء، وكل ما هو قابل للاشتعال. ثانيا، تبرز وسط هذا الحريق الشخصيتان الرئيستان في الفيلم. الأبلة عفاف، وهي التي تؤدي دورا بطوليا متفانيا في محاولة إنقاذ الفتيات من النار. والثانية شخصية الطالبة أميرة السعيد، ضحية التنمر والغيرة من زميلاتها الأخريات، لكنها أيضا ضحية لسوء الإدارة وقسوة الآباء في بعض الأحيان. من اللقطات المؤثرة، رؤية أميرة اسمها يحترق، وهو الذي كانت تراه من قبل دائما، متصدرا لوحة الشرف. إن النار أيضا تعبر عن هذا الحريق الداخلي في نفوس البنات، نار الضغينة والشعور بالغبن، وكأن النار بدورها بطلة في هذا الفيلم، تتفتحه بمشهد إيقاد شعلة الفرن، وفي الوسط الحريق، وفي النهاية طبيعة ما حدث.
لكن وسط هذه المأساة لا يمكننا غض الطرف عن الدور الذي لعبه الحارس عتيق، وهو مَنْ كان يواظب على إحكام إغلاق الأقفال، في مضاعفة آثار هذا الحريق. العبارة الملتاعة للمعلمة سهام وهي تردد: "يا عتيق، افتح الباب يا عتيق"، وعناد الرجل، وإصراره على استمرار إغلاق الباب، حتى حين تصل الشرطة، فقط كي لا يسمح للفتيات بالتسرب خارج المدرسة، يمثل جزءا من العنف الذي مورس ضد الفتيات وضد المعلمات على السواء.