حرب بقاء نتنياهو...
وسط ضغوط متزايدة لإنهاء الدمارhttps://www.majalla.com/node/310081/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A8%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88-%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D8%B6%D8%BA%D9%88%D8%B7-%D9%85%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D8%A5%D9%86%D9%87%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%B1
لعل هذه اللحظة التي يواصل فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هجومه العسكري المدمر على غزة، هي الأقوى بالنسبة له، ولكنها قد تكون الأضعف أيضا. فحتى الدول الأكثر دعما لإسرائيل، بما في ذلك حليفتها القوية الولايات المتحدة، تعتبر حل الدولتين هو السبيل الوحيد والواقعي لتحقيق سلام دائم، وهو ما يرفضه نتنياهو. كما ينتقد كثير من مواطني نتنياهو، وبعض أعضاء حكومته الحربية، سياسته في غزة، ويؤيدون حل الدولتين، بشرط أن تحصل إسرائيل على جميع الضمانات اللازمة لأمنها.
إذن، قد يكون أسلوب نتنياهو في "استخدام إسرائيل حق الدفاع لحماية نفسها" مضرا ببلاده أكثر من نفعه لها. ومع أن نتنياهو وعد بإعادة جميع المحتجزين الإسرائيليين، فإنه على الأرجح يتسبب في موتهم، ما دفع أقارب الرهائن وأصدقاءهم والمواطنين الآخرين للخروج إلى الشوارع احتجاجا عليه.
ويزعم نتنياهو أنه يحارب التطرف، ولكن نوع الحرب التي شنها ورفضه لإقامة دولة فلسطينية مستقلة يغذي هذا التطرف الذي يدعي أنه يحاربه.
تعاني إسرائيل من موقف محرج، يتمثل في مواجهتها لاتهامات بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية
في المقابل، فإن "حماس"، التي فقدت بلا شك عددا كبيرا من مقاتليها وبنيتها التحتية، تواصل الاشتباك وإلحاق الخسائر بإسرائيل.
وكان للحرب تأثير ثقيل على اقتصاد إسرائيل، حيث تقدر تكلفتها الإجمالية بما يقارب 60 مليار دولار أميركي. وتسبب استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط للمشاركة في القتال في حدوث نقص في القوى العاملة.
ويمثل النزوح الجماعي للإسرائيليين من المناطق المحيطة بغزة والجزء الشمالي من البلاد الذي تستهدفه صواريخ "حزب الله" بشكل كبير، ضغطا جديا على الحكومة. وتزايدت الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي بشكل كبير. كما أدى مقتل 24 جنديا في يوم واحد إلى إحداث صدمة في جميع أنحاء البلاد.
وتعاني إسرائيل- التي كان شعبها ضحية لأسوأ إبادة جماعية في التاريخ المعروف- من موقف محرج، على أقل تقدير، يتمثل في مواجهتها لاتهامات بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية.
وكان القرار الأولي لمحكمة العدل الدولية، الذي أُعلن قبل وقت قصير من اليوم العالمي لإحياء ذكرى "المحرقة"، هو نصف كأس ممتلئ. وبغض النظر عن إمكانية تأخر صدور الحكم النهائي لبضع سنوات، فمهما حاولت إسرائيل إنكار القرار وعدم الالتزام به، فإنها في نهاية الأمر لن تتمكن من تجاهله بشكل تام.
وفي غضون ذلك، يواصل شركاء نتنياهو في الائتلاف اليميني المتطرف الاستفادة من الوضع الراهن. وتعمل إسرائيل على تحويل غزة إلى أرض قاحلة، وتجعل العيش فيها مستحيلا، مما يدفع سكانها إلى المغادرة "طوعا".
ولا يقوم نتنياهو وشركاؤه بجر إسرائيل إلى الظلام في غزة فحسب، ولكنهم يحرضون أيضا على الخوف والكراهية في الضفة الغربية والقدس، حيث يقوم المتطرفون اليهود الكارهون للفلسطينيين، تحت حماية قوات الأمن الإسرائيلية، بمضايقة الفلسطينيين والاعتداء عليهم وحتى قتلهم.
وتستمر الجهود الدبلوماسية لإنهاء القتال وتخفيف معاناة سكان غزة، فضلا عن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، بعدد من الطرق والأشكال.
وجاءت رواية "حماس" عن الحرب في غزة على شكل تقرير علني، تضمن أيضا بيانا يدعي أن الوفيات بين المدنيين خلال عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول كانت في معظمها عرضية ناتجة عن الارتباك، وهو ما يمكن اعتباره وسيلة غير مباشرة من جانب "حماس" للاعتراف بارتكاب الأخطاء، على الأقل في هذا الجانب.
وتتضمن المعالم الرئيسة لأي تسوية وقف إطلاق نار طويل الأمد، والإفراج عن الرهائن، وتسهيل المساعدات الإنسانية. وينبغي أن تستلزم المرحلة التالية اتباع نهج أوسع يرتكز على منصة تفاوضية تهدف في نهاية المطاف إلى التوصل إلى حل الدولتين. وتعد الترتيبات المتعلقة بالفترة الانتقالية، وخاصة كيفية إدارة غزة وكيفية ضمان الأمن، نقاطا حاسمة.
ويشكل غياب الضغوط الدولية المجدية أحد الأسباب التي تجعل إسرائيل قادرة على تحمل التحدي، على الرغم من مواجهتها أقوى رد فعل دولي منذ تأسيسها قبل 76 عاما.
وفي هذا الصدد، ومن ناحية إيجابية، فإنه لا يزال بإمكان نتنياهو أن يتباهى بالدعم المستمر الذي تمنحه إياه كثير من الدول بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة.
كما أن قرار عدة دول بتعليق تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، استنادا إلى الأدلة التي قدمتها إسرائيل بشأن المشاركة النشطة لبعض موظفيها واستخدام مركباتها في هجوم 7 أكتوبر، وقرار محكمة العدل الدولية الذي لم يرق إلى مستوى الدعوة إلى وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى تضمينه عناصر مرضية لإسرائيل، يدعمان أيضا معنويات نتنياهو.
ومنذ بداية الهجوم على غزة، قامت قلة من الدول بقطع أو تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، واستدعت بضع دول أخرى، بما في ذلك الأردن والبحرين وتركيا، سفراءها بشكل مؤقت.
أما التطور الذي يمكن أن يكون هاما إذا جرى العمل عليه بشكل حقيقي، فهو البيان الصادر عن مسؤول كبير من الإمارات العربية المتحدة، والذي حذر فيه من أن "السلام الدافئ يمكن أن يتحول في النهاية إلى سلام بارد"، إذا ما واصلت إسرائيل مسارها الحالي.
وتواصل الولايات المتحدة العمل كدرع ضد أي قرار لمجلس الأمن يمكن أن يكون مضرا بإسرائيل. فعلى الرغم من آلاف المدنيين الذين قتلوا، لم تُفرض أية عقوبات أو حظر على الأسلحة وما إلى ذلك، كما هو الحال في الدول التي تخضع لمثل هذه الإجراءات دون سبب يمكن أن يقارن بحالة غزة.
الولايات المتحدة لا تستخدم نفوذها لدفع إسرائيل إلى التصرف بطريقة مختلفة
إن رد الفعل القوي من داخل إسرائيل، والموقف الأميركي الحاسم، هما العنصران الأكثر احتمالا للتأثير على سياسات نتنياهو والحرب في غزة. وعلى الرغم من أن الرئيس بايدن كان صريحا في دعم حل الدولتين والتعبير عن معارضته للطريقة التي يدير بها نتنياهو الحرب، فإن الولايات المتحدة لا تستخدم نفوذها لدفع إسرائيل إلى التصرف بطريقة مختلفة.
وهذا له علاقة كبيرة بالانتخابات الرئاسية الحاسمة المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني. إذ يواجه الرئيس بايدن بالفعل منافسة شديدة من دونالد ترمب، ويبدو أنه غير متأكد بشأن المسار الذي سيخدم حملته الانتخابية بشكل أفضل فيما يتعلق بالحرب في غزة.
ومن ناحية أخرى، يتعامل دونالد ترمب مع القضية دون أن ينخرط فيها بشكل عميق، مستفيدا من نهج بايدن. إذ أعرب ترمب عن عدم موافقته على طريقة تعامل إدارة بايدن مع الصراع في غزة، دون أن يقدم بديلا سوى القول إن الأمور ستكون مختلفة عندما يتولى السلطة.
ولكن، بشكل عام، يمكن القول إن الوضع في واشنطن، على الأقل في الوقت الحالي، لا يزال يعمل لصالح نتنياهو.