في آخر العام المنصرم، انتهت المدة المحددة لتعميم مصرف لبنان الرقم 151 الذي أصدره الحاكم السابق للمصرف رياض سلامه في نيسان 2020، ثمّ عُدّل ومُددت آجاله مرات عدة، وكان يعرض على المودعين إجراء سحوبات نقدية من حساباتهم بالدولار - التي فتحت بعد وقوع الأزمة المالية في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 - بالليرة فقط، وبسعر صرف 15000 ليرة لبنانية للدولار الواحد، أي مع اقتطاع "هيركات" نسبته 85 في المئة من أصل المبلغ، كون قيمة الدولار في السوق الموازية حاليا هي 89500 ليرة.
بعد تردد وانتظار، أصدر مصرف لبنان السبت الماضي، التعميم 166 الذي يسمح بسحب مبلغ 150 دولارا شهريا فقط، ضمن شروط معقدة ومتعددة للمودعين، الذي فُتحَت لهم حسابات بالدولار لدى المصارف، ما بعد أكتوبر 2019، بطرق شتى، أكان عبر التحويل من الليرة أم شيكات وغيرها، (وهذا الحساب صار يسمى حساب "لولار" وقيمته الفعلية هي دون القيمة الحقيقية للدولار في السوق).
وكان القائم بأعمال حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري، تريث قبل بتّ مصير التعميم، في انتظار ما ستتمخض عنه جلسات مجلس النواب لإقرار موازنة 2024، بالنسبة الى سعر صرف الدولار لدى المصارف، وكان يأمل أن يوازن بين تبعات تكبير حجم الكتلة النقدية بالليرة بشكل غير مدروس على الاستقرار النقدي، في حال اعتماد سعر صرف السوق للسحوبات بالدولار، وبين اعتماد اقتطاع واقعي ("هيركات") من أموال المودعين، لا يملك أحد القرار في شأنه وتحديد نسبته إلا المجلس النيابي ضمن إطار معين، الأمر الذي لم يحصل.
ومعلوم أن مجلس النواب تقاعس، عن سابق تصور وتصميم، عن إصدار قانون الـ"كابيتال كونترول" منذ نشوء الأزمة المالية والمصرفية عام 2019، ما دفع مصرف لبنان الى إصدار تعاميم بديلة تنظم عمليات السحب من حسابات الدولار المفتوحة بطرق مختلفة بعد اندلاع الأزمة، على نحو يمكن المصارف من التزامها.
في العودة الى جلسة مناقشة الموازنة اخيرا أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن "ليس هناك نية لتثبيت سعر الصرف، حيث دفعت أثمان باهظة نتيجة ربطه بشكل جامد بالدولار"، وقال: "في حال أقرت الموازنة على أساس سعر الصرف الواقعي للدولار، أي 89500 ليرة، فإن المصارف ستعلن إفلاسها غدا. لذا، يجب أن يترك أمر تحديد سعر الصرف بين مصرف لبنان والمصارف". علما أن هذا الكلام يتناقض بشكل فاضح مع قانون النقد والتسليف، حيث تنص أسبابه الموجبة بوضوح على "إبعاد المصارف عن أن تكون على اطلاع مسبق على القرارات التي سيتخذها مصرف لبنان"، خصوصا أنه يفترض بالأخير أن يكون على معرفة عميقة بأوضاع المصارف من خلال لجنة الرقابة على المصارف.