إيران ولعبة الوجود والدور في سورياhttps://www.majalla.com/node/310046/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7
توالت التصريحات الإيرانية المعبرة عن عدم رغبة طهران في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، منذ هجوم الثامن والعشرين من الشهر المنصرم على القاعدة الأميركية المسماة "البرج 22"، شمال شرقي الأردن، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين.
يأتي الهجوم في سياق استهداف الميليشيات المدعومة من إيران للمنشآت العسكرية الأميركية في العراق وسوريا أكثر من 160 مرة، منذ أكتوبر/تشرين الأول، وبالتوازي مع سلسلة من الهجمات الإسرائيلية على سوريا كان آخرها الهجوم الذي وقع في 20 يناير/كانون الثاني والذي قتل فيه خمسة ضباط من "الحرس الثوري" بينهم المسؤول عن عملياته في الخارج، وقد سبقه هجوم آخر يوم 25 ديسمبر/كانون الأول استهدف كبير المستشارين في سوريا العميد رضي موسوي والذي تقدم المرشد المصلين في جنازته.
وجهت أجهزة الاستخبارات الأميركية أصابع الاتهام إلى "المقاومة الإسلامية في العراق" المرتبطة بعلاقات وثيقة مع طهران، بما جعل الرئيس جو بايدن عرضة لضغوط كبيرة للرد على مقتل الجنود ووقف هجمات الميليشيات بشكل نهائي. وفي المقابل أتت أوامر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي واضحة لجهة تجنب حرب مباشرة مع الولايات المتحدة وإبعاد إيران عن عمليات وكلائها التي تسببت في مقتل الجنود الأميركيين، مع الاستعداد للرد إذا تعرضت إيران لضربات أميركية وفق صحيفة "نيويورك تايمز". وبهذا التزمت طهران الموقف عينه الذي اتخذته في السابع من أكتوبر مع انطلاق عملية "طوفان الأقصى" حيث نأت مجددا بنفسها عن ميادين العمليات في سوريا والعراق وشرعتها لمواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة تحت عنوان إعطاء الحرية للفصائل بتقدير الموقف واتخاذ القرار المناسب.
في مفاعيل الرد الأميركي
أ- استجاب القرار الأميركي للضغوط الداخلية من خلال استخدام القاذفات "بي-1" الاسترتيجية البعيدة المدى المعروفة باسم "The Bone" والتي انطلقت من الولايات المتحدة، وقد شكل هذا سابقة في التعامل مع الميليشيات الإيرانية المتمركزة في سوريا والعراق. ووفقا لموقع "إير فورس" فإن هذه القاذفات مزودة بمعدات تشويش إلكترونية للحماية الذاتية وجهاز استقبال تحذير الرادار (ALQ-161) وأنظمة إلكترونية أخرى تشكل مجتمعة نظاما دفاعيا متكاملا يدعم اختراق المجال الجوي للطرف المعادي. كما تسمح سرعة هذه القاذفات وخصائص التحكم الفائقة لها بالاندماج بسلاسة في أي قوة مختلطة من الطائرات والقاذفات الأخرى بما يجعل منها عنصرا أساسيا في أي قوة هجومية مشتركة.
استخدام القاذفات "بي-1" يدل على أن واشنطن لم تكن تريد توجيه ضربة تحذيرية فقط كما فعلت دائما
ب- نفذت القاذفات- وفقا لبيان صادر عن القيادة المركزية الأميركية- 85 هجوما استهدفت 7 مواقع، 4 في سوريا و3 في العراق، في مناطق دير الزور والبوكمال والميادين ومحيطها على الحدود السورية العراقية. هذه المواقع هي عبارة عن مراكز قيادة وسيطرة ومنشآت لتخزين صواريخ وقذائف وطائرات مسيرة ومنشآت لوجستية وسلاسل إمداد ذخيرة تابعة لفصائل مسلحة مدعومة من "الحرس الثوري". وقد وصف مصدر أمني عراقي الوضع في منطقة القائم قرب الحدود مع سوريا بعد الضربات الجوية التي أسفرت عن سقوط أكثر من 40 عنصرا من الحشد الشعبي بين قتيل وجريح بأنه أصبح في حالة من الفوضى.
ج- إن استخدام هذه القاذفات يدل على أن واشنطن لم تكن تريد توجيه ضربة تحذيرية فقط كما فعلت دائما مع تلك الجماعات، بل هدفت إلى ضربها بقوة ودقة وإلى قطع الإمدادات عنها. حيث ذكر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، جون كيربي، أن "المنشآت التي تم استهدافها كانت تستخدمها مجموعات تابعة للحرس الثوري الإيراني لمهاجمة القوات الأميركية في الشرق الأوسط" بما يعني أن هناك رغبة في الذهاب خلف خطوط الإمداد لكبح قدرة الميليشيات على شن هجمات".
في موجبات تقليص الوجود العسكري الإيراني في سوريا
وبالتوازي مع التحضيرات الأميركية التي سبقت الرد على الهجوم، فإن كبار المستشارين الإيرانيين غادروا سوريا مع العشرات من الضباط متوسطي الرتب، كما أخلت فصائل مسلحة موالية لإيران مواقعها في العراق، ونقلت قياداتها إلى مواقع بديلة آمنة. يطرح هذا الانسحاب الإيراني جملة من المسائل:
تزداد المعضلة الإيرانية- الأميركية تعقيدا مع انضمام الحدود السورية العراقية إلى حقل المعركة في البحر الأحمر
1- لا شك أن نجاح إسرائيل في استهداف مستشارين من الحرس الثوري بهذه الدقة ولمرات عديدة داخل الأحياء السكنية في مناطق تحظى برعاية أمنية خاصة من النظام السوري يثير الشبهات ويطرح تساؤلات عديدة حيال حجم الاختراق لأجهزة الأمن في كل من سوريا والعراق ويتأكد ذلك بعد الضربات الأميركية النوعية التي نفذت على الحدود السورية العراقية.
2- المزيد من استهداف القادة الإيرانيين سيؤدي إلى سقوط ضحايا بارزين مما يلزم طهران بالرد المناسب، هذا في الوقت الذي تسعى فيه طهران بشتى الوسائل لتجنب الدخول في أي مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة لأسباب داخلية تمنعها من التعامل مع أي هجوم واسع النطاق، بما يهدد ليس بدمار غير محسوب بل بزعزعة قدرة النظام على الإمساك بالسلطة. 3- يمر "الحرس الثوري" بفترة قد تكون الأصعب منذ دخوله سوريا قبل عقد من الزمن لمساندة الرئيس بشار الأسد، إذ إن الظروف الإقليمية في حال تبدل دائم يتطلب إعادة تقدير الموقف لا سيما بعد التداعيات الكبيرة للحرب التي أشعلها هجوم حركة "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وربما يمثل إخراج المستشارين الإيرانيين من سوريا عاملا في تخفيف المخاطر المتزايدة عليهم. 4- تبدو الحسابات الإيرانية معقدة كثيرا، فطهران لا تستطيع كبح جماح الميليشيات التي تدعمها في العراق واليمن وسوريا ولبنان، مما يعني التخلي عما يسمى "محور المقاومة" في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل. كما أن التسليم بإعطاء طهران الحرية للفصائل لاتخاذ القرار المناسب منذ السابع من أكتوبر لمواجهة إسرائيل ودعم مواطني غزة لا يحظى بالواقعية ولا يعفي طهران من مسؤولياتها.
تزداد المعضلة الإيرانية- الأميركية تعقيدا مع انضمام الحدود السورية العراقية إلى حقل المعركة في البحر الأحمر. ففيما تريد إدارة الرئيس جو بايدن كسر أنف إيران من دون لمسها، تلجأ طهران إلى تقليص وجودها وتحركاتها إلى أقصى حد، نتيجة الفشل في حماية قادتها وتفويض الميليشيات للقيام بدورها مما يولد الحاجة الدائمة إلى ضربات مضادة ويتيح المجال لاستمرار هذه الحلقة المفرغة.