الميليشيات... هل تزيد من بركة الدم العراقي؟https://www.majalla.com/node/309961/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%B2%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D9%86-%D8%A8%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%9F
بغداد- هددت الولايات المتحدة الأميركية، بتوسيع الصراع مع أذرع إيران داخل العراق، عبر استهدافها المباشر بالصواريخ والطائرات المسيرة، في حال استمرارها بتوجيه الضربات إلى القواعد الأميركية العسكرية في الأنبار ونينوى وسوريا، بينما تبرر الفصائل الشيعية هذه الأفعال بالقول إنها لتخفيف شدة إطلاق النار على أهالي غزة بسبب العدوان الإسرائيلي على المدنيين.
تمتلك غالبية الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق ميليشيات مسلحة، على الرغم من مخالفتها لقانون الأحزاب. وتمكنت هذه الميليشيات من دمج نفسها داخل الدولة، بمساعدة أحزابها عبر تشريع قانون "هيئة الحشد الشعبي"، ما أعطاها نفوذا سياسيا وأمنيا كبيرا. نتيجة لذلك، أصبحت هذه الميليشيات هي القوى العسكرية الرئيسة في العراق، وأقوى من جميع القوات الأمنية، التي لا تستطيع مواجهتها أو محاربتها.
توجد في العراق 67 ميليشيا مسلحة، من الشيعة والسنّة والأقليات المسيحية والتركمان والشبك، تنقسم إلى نوعين:
النوع الأول: ميليشيات تتخذ من المرشد الإيراني علي خامنئي، مرجعا سياسيا أو دينيا لها، وهي غالبية، وتمثل أجنحة عسكرية لبعض الأحزاب السياسية التي لها نفوذ كبير داخل الدولة. وتشغل مناصب حكومية مهمة، من أبرزها "ائتلاف الفتح" بزعامة هادي العامري، و"عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، و"كتائب جند الإمام" بزعامة وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي، و"حركة بابليون" المسيحية و"كتائب حزب الله"، و"حركة النجباء"، و"لواء صلاح الدين".
أما النوع الثاني، فيضم ميليشيات لا تتبع "الحرس الثوري" الإيراني، مثل "سرايا السلام" بزعامة مقتدى الصدر، و"حشد العتبات" تحت سيطرة المرجع الأعلى للشيعة علي السيستاني، واللذين يفضلان العمل في ظل وزارة الدفاع الاتحادية، بعيدا عن إدارة "هيئة الحشد الشعبي".
نجح "الإطار التنسيقي" في تحقيق أهدافه، وتمكن من إبعاد مقتدى الصدر عن السلطة، وتشكيل الحكومة الحالية
تأسست "هيئة الحشد الشعبي" عام 2014 كإجراء فوري نتيجة انهيار القوات الأمنية العراقية أمام تنظيم "داعش" وضمت جميع الميليشيات، بعضها تأسس في ثمانينات القرن الماضي خلال الحرب العراقية- الإيرانية، والآخر تأسس خلال فترة الاحتلال الأميركي عام 2003، والباقي خلال فترة نشاط "داعش". ويشار إلى أن بعض هذه الميليشيات، مثل "حركة النجباء"، و"عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، أدرجت في قائمة الإرهاب الأميركية.
عدد أفراد الميليشيات العراقية يتجاوز 238 ألفا وفق الدولة العراقية، وجميعهم تحت غطاء "الحشد الشعبي"، ويمثلون 52 في المئة من إجمالي قوات وزارة الدفاع الاتحادية. وفي إطار دعمها لهذه القوات، قامت الحكومة بتخصيص مبلغ يتجاوز 3.4 مليار دولار خلال عام 2023، بهدف تمويل رواتبهم وتلبية احتياجاتهم الأخرى من أسلحة ومعدات.
تعد ميليشيا "بدر"، بزعامة هادي العامري، أكبر الميليشيات العراقية، وتمتلك 15 لواءً، تنتشر في محافظات ديالى والأنبار وصلاح الدين وكركوك ونينوى، و"كتائب حزب الله" تضم 3 ألوية في صحراء الأنبار وصولا إلى جرف الصخر في محافظة بابل، و"عصائب أهل الحق" تضم 3 ألوية في محافظة صلاح الدين. علما أن كل لواء يتكون من 4 آلاف عنصر، وتمتلك هذه الفصائل قواعد في جميع المحافظات السنية، ويصل عددها إلى أكثر من 15 قاعدة عسكرية. كما أنها تمتلك أسلحة متطورة، مثل الطائرات دون طيار، والدبابات والمدافع وغيرها. وهناك أيضا ميليشيات سنية ومسيحية وتركمانية وشبكية وإيزيدية وجميعها موالية للفصائل الشيعية التابعة لإيران.
في 2021، شكلت الأحزاب السياسية التي تمتلك ميليشيات مسلحة، تجمعا سياسيا باسم "الإطار التنسيقي"، بدعم من إيران، كان الهدف منه مواجهة حكومة مصطفى الكاظمي وطموحات مقتدى الصدر، الفائز في الانتخابات النيابية، وضم الإطار "حركة الصادقون" بزعامة قيس الخزعلي، و"ائتلاف الفتح"، و"ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، و"تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، و"حركة جند الإمام" بزعامة أحمد الأسدي و"المجلس الأعلى الإسلامي"، و"حركة عطاء" و"حزب الفضيلة" وغيرها.
نجح الإطار التنسيقي في تحقيق أهدافه، وتمكن من إبعاد الصدر عن السلطة، وتشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، كما حصل على جميع المناصب الخاصة بالشيعة في الحكومة والبالغ عددها 12 وزارة.
مقتدى الصدر، زعيم "التيار الصدري"، يعارض بشدة استمرار نشاط الميليشيات الشيعية، لأن أكثر من 80 في المئة منها تأسس بعد سقوط نظام صدام حسين، وانشق عن ميليشيا "جيش المهدي" التي أسسها الصدر في عام 2003، ويعتقد أن انشقاقها حصل بدعم من إيران، ويعتبر تهديدا لنفوذه السياسي. لهذا السبب، يدعو الصدر باستمرار إلى دمج الميليشيات في إطار القوات الأمنية العراقية، بهدف تحييدها وتفتيتها.
لم تعد أفعال الفصائل العراقية تقتصر على استهداف العراق بل باتت تهدد الاستقرار العربي
مشاريع أخرى
تشكل الميليشيات خطرا كبيرا على الأمن الاقتصادي في العراق، حيث تسيطر على الدولة، وتمارس الابتزاز والاستحواذ على المشاريع الاقتصادية والخدمية التي تهم حياة الناس، ما أدى إلى تعطيلها خلال السنوات الماضية. نتيجة لذلك، أصبح العراق طاردا للاستثمار، حيث يوجد أكثر من 1600 مشروع استراتيجي معطل حسب لجنة الخدمات في البرلمان. وعليه، تعاني المدن العراقية من الفقر، على الرغم من أن إيرادات البلاد تصل سنويا إلى أكثر من 85 مليار دولار.
وتعمل الميليشيات بأسماء مستعارة، مثل "أصحاب الكهف" التابعة لـ"حركة النجباء"، و"سرايا أولياء الدم" التابعة لـ"عصائب أهل الحق". وتقوم هذه الميليشيات بتنفيذ عمليات داخل العراق، دون أن تنسب إلى القوى السياسية الداعمة لها، وذلك لتجنب إحراجها أمام شركائها، علما أن بعض هذه الميليشيات استهدف المصالح الاقتصادية لدول عدة داخل العراق.
لم تعد الفصائل العراقية تقتصر على استهداف العراق فقط، بل باتت تهدد الاستقرار العربي، إذ أطلقت من الأراضي العراقية صواريخ وطائرات دون طيار، واستهدفت الإمارات والسعودية والأردن. وتؤمن هذه الفصائل بـ"وحدة الساحات"، فهي جزء رئيس من الصراع في سوريا، ضمن ما يعرف بـ"محور المقاومة"، الذي يرمي إلى استهداف المصالح الأميركية في المنطقة. كما أنها تؤمن بالمرجعية الدينية والسياسية لولاية الفقيه بزعامة علي خامنئي، ولا تمتثل للقانون والقرار الحكومي العراقي.
وتركز جغرافيا الميليشيات، على المحافظات السنية، وهي: الأنبار وصلاح الدين ونينوى وجرف الصخر في بابل، من أجل محاصرة القواعد الأميركية التي توجد في الأنبار ونينوى وأربيل، واستخدام هذه الأراضي في إطلاق الصواريخ على إسرائيل، اقتداء بالنظام السابق الذي أطلق الصواريخ على إسرائيل أثناء حرب الكويت من هذه المحافظات، خصوصا أن الميليشيات تمتلك بعض الصواريخ التي يصل مداها لإسرائيل.
تسعى الفصائل إلى الضغط على الولايات المتحدة للانسحاب من المنطقة، وتأكيد دورها كقوة فاعلة
بعد أحداث غزة
أدت الأحداث الأخيرة في غزة خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى انشقاق داخل الميليشيات العراقية، وتحديدا القريبة من "الحرس الثوري" الإيراني "كتائب حزب الله"، و"حركة النجباء"، اللتين تريان أنه من الضروري الدخول في المعركة واستهداف المصالح والقواعد الأميركية في المنطقة، بينما طالبت "عصائب أهل الحق"، و"منظمة بدر"، بإبعاد العراق عن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. ونتيجة لهذا الانشقاق، اقتصرت مشاركة الميليشيات في استهداف المصالح الأميركية على أربعة فصائل فقط، هي "أنصار الله الأوفياء"، و"حركة النجباء"، و"كتائب سيد الشهداء"، و"كتائب حزب الله". وقد تحالفت هذه الفصائل وأطلقت على نفسها اسم "المقاومة الإسلامية في العراق"، ومن اللافت أن هذه الفصائل ليس لديها تمثيل سياسي، بالرغم من وجود مستشارين من "حزب الله" اللبناني ومن الحكومة الإيرانية.
ونفذت الفصائل الأربعة، منذ 17 أكتوبر الماضي وحتى الآن، أكثر من 120 ضربة على القواعد الأميركية في العراق وسوريا والسفارة الأميركية، والتي يوجد فيها أكثر من 3500 جندي أميركي. وشكلت هذه الهجمات تحديا كبيرا للحكومة العراقية التي أبلغتها الولايات المتحدة أن استمرارها في التفرج على هذه الهجمات سيؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية قد تستهدف المؤسسات الحكومية وكذلك توجيه ضربات مباشرة للميليشيات، إذ تسعى الفصائل إلى الضغط على الولايات المتحدة للانسحاب من المنطقة، وتأكيد دورها كقوة فاعلة ومتحكمة في العراق.
وأجبرت هذه التهديدات الحكومة العراقية على تبني موقف واضح، إذ أصدر المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة يحيى رسول بيانا، أكد فيه أن الاعتداء الذي وقع يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 2023، والذي استهدف السفارة الأميركية هو اعتداء على أمن العراق وسيادته. وأضاف أن هذه الاعتداءات تسبب ضررا لسمعة العراق وكرامته، وتشكك في مصداقيته كدولة ذات سيادة قادرة على الإيفاء بالتزاماتها الدولية وضمان سلامة مواطنيها والمقيمين فيها، ولاسيما البعثات الدبلوماسية.
ردت أميركا، بتوجيه ضربات إلى عناصر "حركة النجباء"، و"كتائب حزب الله"، وكان أبرزها استهداف مقر "النجباء" وسط بغداد، بالقرب من وزارة الداخلية، ما أدى إلى مقتل القيادي مشتاق السعيدي المعروف باسم "أبو تقوى"، والذي كان المسؤول عن كتيبة الصواريخ في استهداف القواعد الأميركية مؤخرا.
تجر الميليشيات العراق إلى بركة دم جديدة وعزلة دولية، وتحاول توسيع دائرة الصراع
دب اليأس في العراقيين؛ فالحكومة الحالية تعتبر حكومة الفصائل، وغير قادرة على محاسبتها، كما أنها لا تمتلك التحكم في أجواء البلاد، بسبب انهيار منظومة الدفاع الجوي وسيطرة التحالف الدولي عليها، بالإضافة إلى أنها غير قادرة على مواجهة رغبة إيران في زيادة التوتر مع أميركا وإسرائيل على الساحة العراقية وإبعادها عن مدنها للحصول على مكاسب في الملفات الأخرى مثل تخفيف العقوبات الاقتصادية والملف النووي وغيرها.
وقد خضعت الحكومة، لمطالب الميليشيات أخيرا، ودعت التحالف الدولي الذي أنشئ لمحاربة تنظيم "داعش" إلى مغادرة العراق لانتفاء الحاجة إليه. وهو ما يبعث رسالة واضحة للبعثات الدبلوماسية بأن موازين القوى بدأت تتغير، خصوصا أن البعثات الأوروبية هددت في وقت سابق بمغادرة العراق، في حال انسحاب قوات التحالف الدولي وأميركا، كما ظهر موقف معارض للأكراد وبعض القوى السنية التي تتخوف من ابتلاع كامل للعراق من قبل إيران، إذ أعلنت حكومة إقليم كردستان أن حكومة السوداني ضعيفة وعاجزة، وأنها تمول المجاميع الخارجة عن القانون وتزودها بالرواتب والسلاح، موضحة أن هذه المجاميع تنقل الصواريخ والأسلحة والطائرات المسيرة أمام الحكومة دون أن تفعل أي شيء.
محاولة توسيع الصراع
تجر الميليشيات العراق إلى بركة دم جديدة وعزلة دولية، وتحاول توسيع دائرة الصراع، بدءا من جعل الأردن ضمن منطقة النفوذ الإيراني، إذ تشهد الحدود العراقية- الأردنية، اعتصامات لأنصار الميليشيات، للسماح بدخولهم ووصولهم إلى الضفة الغربية وكذلك من داخل الحدود السورية- الأردنية. وثانيا من خلال الصواريخ التي استهدفت القوات الأميركية، ووصل بعضها إلى حيفا وإيلات داخل إسرائيل، مما قد يؤدي في الأيام المقبلة إلى زيادة الصراع الأميركي- الإيراني داخل العراق، عبر العمليات الاستخبارية والعسكرية المتبادلة.
الشارع العراقي، خاصة الشيعي، أصبح يدرك خطورة وجود الميليشيات، وهو ما يعجل بلحظة التصادم، المشابهة لـ"أكتوبر 2019"، عندما قامت حكومة الفصائل في وقتها، بقيادة عادل عبد المهدي، بتوسيع دائرة الصراع الأميركي– الإيراني داخل العراق، واقتحم أنصار الميليشيات السفارة الأميركية، ما زاد من قوة الاحتجاجات المطالبة بإبعاد إيران وأذرعها عن العراق، عبر حرق القنصليات الإيرانية في الجنوب.
وقد تمكنت هذه القوى الموالية للميليشيات من استخدام سياسة حرق الأرض، عبر الاغتيالات والاختطاف، خصوصا أن شعبية هذه القوى ما زالت ضعيفة جدا، حيث إنها في الانتخابات الأخيرة ورغم حصولها على المركز الأول بـ684 ألف صوت ورغم مقاطعة "التيار الصدري" والخط المدني، فإنها تشكل نحو 3 في المئة من إجمالي أصوات الناخبين، وهو الأمر الذي سيعجل بلحظة التصادم الشعبي.