يُحكى أن أعرابيا سأل معاوية بن أبي سفيان: كيف حكمت الشام أربعين سنة ولم تحدث فتنة والدنيا تغلي؟ فأجابه معاوية: إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني. ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها.
أصبحت هذه الحكاية مثلا يتناقله العرب عندما يريدون الاستدلال على حنكة التعامل في المواقف السياسية، والتحول من سياسة التصعيد إلى التهدئة. ويبدو أن "شعرة معاوية" هي التوصيف الأدق للعلاقة بين الولايات المتحدة وإيران. فكلما تصعّد طهران مواقفها وعملياتها من خلال أذرعها في المنطقة وتهدد فيها مصالح ونفوذ ووجود الأميركيين، تقابلها تصريحات البيت الأبيض بأن أميركا لا تريد حربا في الشرق الأوسط!
مشهد متناقض يعيشه الشرق الأوسط في حالة "لا حرب ولا سلام"، بين واشنطن وطهران. هي حرب على أراضي دول أخرى، وصراع على النفوذ في منطقة تشهد توترا وعدم استقرار. ويبدو أن منطقتنا ترفض مغادرة مشاهد الحروب وما يترتب عليها من قتل ودمار وتهجير واستنزاف مواردها الاقتصادية. وكلما توجهت إرادات حكام دول المنطقة نحو الشراكة الاقتصادية وطرح مشاريع التنمية، نجدها تعود مرة أخرى إلى دائرة الحروب والصراعات على النفوذ.
وقد حدث تحول نوعي في مستوى عمليات الفصائل المسلحة التي تستهدف الوجود العسكري الأميركي في العراق، بعبور الحدود العراقية واستهداف قاعدة "البرج 22" بالقرب من مقر "حامية التنف" التي تقع على الحدود الأردنية- السورية، ما أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة العشرات.
وقد اتهمت الإدارة الأميركية إيران بالوقوف خلف هذه الهجمات ومن نفذها من فصائل مسلحة عراقية مدعومة من طهران. كما تبادلت القيادات الأميركية والإيرانية التهديد والوعيد، إلا أنها اتفقت على أن خيار الحرب ليس مرجحا، وأن توسيع رقعة الحرب ليس مطروحا.
الرئيس الأميركي جو بايدن قال: "لا أعتقد أننا بحاجة إلى حرب أوسع في الشرق الأوسط. هذا ليس ما أبحث عنه"، ليقابله قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي بالتصريح: "نسمع بعض التهديدات من تصريحات المسؤولين الأميركيين، ونقول لهم إن أي تهديد لن يمر دون رد... نحن لا نسعى للحرب، لكننا سندافع عن أنفسنا".
أميركا واستراتيجية ردود الفعل
زاد عدد هجمات الفصائل المسلحة في العراق على منشآت عسكرية أميركية إلى أكثر من 160 هجوما، بين شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023 ونهاية يناير/كانون الثاني 2024. وكانت استراتيجية إدارة بايدن في التعامل مع هذا التهديد العسكري تنحصر في ردود الفعل. ويكون الرد على الهجمات التي تسبب ضررا في القواعد العسكرية التي يوجد فيها الأميركيون، سواء كانوا جرحى أو قتلى. ولذلك فشلت استراتيجية ردود الفعل في تحقيق ردع هجمات فصائل "المقاومة الإسلامية في العراق".